الجنون الطائفي

05:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبثية الانقسامات والصراعات الطائفية بين المذاهب الإسلامية، لا تنحصر في دولة عربية أو بضع دول في الوطن العربي، وكذلك في دول مجلس التعاون الخليجي، نحن أمام ظاهرة مجتمعية مشتركة تخص جميع دول المجلس، وإن بنسب متفاوتة .

ومع أن جزءاً من هذه الظاهرة سيحتاج حتماً إلى مواجهات وحلول محلية، إلا أننا هنا معنيون في الأساس بالمواجهة والحلول والأفعال المشتركة لإخراج بعض الدول مما تعيشه، ولمنع انتقال العدوى إلى الدول الأخرى .

والواقع أننا لسنا معنيين بالمواقف الضحلة السهلة من مثل إصدار البيانات المشتركة لتهدئة خواطر مسؤولي هذا البلد أو ذاك، من خلال دعم الإجراءات السياسية أو الإدارية أو الأمنية أو القضائية التي تواجه المشكلات محلياً بها، فمثل هذه المواقف هي تحصيل حاصل ولا تذهب إلى أعماق الموضوع، وتركز على الحاضر ولا تعطي أهمية مفصلية للمستقبل .

ما يهمنا بالدرجة الأولى هو أن يعود الموضوع إلى طبيعته السوية ضمن الأثر الإسلامي العظيم بأن اختلاف أمتي رحمة وضمن بديهية تاريخية عبّر عنها بشكل واضح الكاتب الإيرلندي الشهير برناردشو عندما كتب أن هناك ديناً واحداً ولكن هناك مئة فهم له . هذا الرجوع إلى أصل الموضوع سيحتاج إلى جهد كبير صادق مستمر مشترك يتناول في ما يتناول الجوانب الآتية:

* أولاً: إن الجوانب الفكرية والعقدية عند جموع المنتمين إلى هذه المذاهب هي القضية الأساسية . ويشمل هذا، إضافة إلى المواطنين العاديين، أعداداً كبيرة من المسؤولين الكبار ومن القائمين على إدارة المؤسسات الدينية الرسمية . وكمدخل للتعامل مع هذا الجانب، هناك حاجة إلى وضع المغالطات التاريخية ونقاط الضعف المعرفية المفجعة التي تأسست عليها المذاهب وبعض المسلّمات الدينية غير المعقولة أو المقبولة التي انطلقت منها هذه المدارس الفقهية الإسلامية أو تلك . . وضعها كلها أمام أعين الجميع وإفهام العامة من دون تجريح أو اصطدام، ولكن أيضاً من دون مجاملة وتدليس .

إن ذلك سيعني تغييرات مشتركة في المناهج التربوية الدينية المدرسية، وإحداث منابر حوارات علمية رصينة شجاعة حرة مستمرة وغير موسمية يطلع القاصي والداني على مداولاتها، وتكوين مراكز بحوث لتنقيح تراث الفقه المملوء بالأدوات المعرفية التي ما عادت صالحة، وبالتضادات غير المقبولة في التراث الحديثي، ثم نشر ما يتم التوصل إليه على نطاق واسع ومن خلال كل أدوات ووسائل التواصل الحديثة .

* ثانياً: يجب التوقف عن الاعتقاد أن موضوع الصراعات الطائفية سببه هذا الفقيه الوقور أو ذاك، وأن القضية الطائفية هي فقط قضية سياسية تدفعها رغبة هذه الأقلية في الاستيلاء على الحكم، أو إصرار تلك الأكثرية على الاحتفاظ بامتيازاتها .

* ثالثاً: لم يعد مقبولاً السكوت عما تفعله المنابر الإعلامية الخليجية، من تلفزيونات حكومية وخصوصاً محطات فضائية وإذاعات وصحف وكتب ومواقع إلكترونية، من إثارة مستمرة لسوء الفهم المذهبي، معتمدة في ذلك على التراث البليد الذي ذكرناه، وعلى خدمة بعض جهات الانتهازية السياسية في الداخل، أو بعض القوى الطامعة الاستعمارية الصهيونية في الخارج . نحن لا نتعامل هنا مع موضوع حرية الرأي والكلمة، وإنما مع مؤامرات تنطلق إما من الجهل وإما من المصالح الأنانية الضيقة، ولا يمكن للأوطان أن تترك نهباً لمثل هؤلاء، هناك حاجة إلى ميثاق شرف فكري وقانوني مشترك لضبط هذه المسألة .

إذا كان أي من أنظمة الحكم في الدول العربية، وبينها دول مجلس التعاون، يعتقد أنه يستطيع أن يربح من وراء الجنون الطائفي الذي نراه أمامنا أو الذي سيتفجر في المستقبل، فإنه يرتكب حماقة خطرة لن يسلم أحد من نارها . كما أنه إذا كان هناك في أي من أنظمة الحكم من يعتقد أن الموضوع الطائفي موضوع هامشي أو غير مستعجل، أو يمكن التعامل معه بشكل بطيء سلحفاتي، فإنهم أيضاً يرتكبون خطأ سياسياً وأمنياً قاتلاً . موضوع الطائفية أخطر من أن يترك لفقهاء أو علماء الدين، فالمجتمع برمته يجب أن ينخرط فيه، بما في ذلك أعلى السلطات السياسية في مجلس التعاون .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"