الجوانب الاقتصادية للألعاب الأولمبية

01:47 صباحا
قراءة 5 دقائق
د.لويس حبيقة

كانت معظم المدن المتنافسة في الماضي من الدول الصناعية، أما مؤخراً بدأنا نرى دولاً نامية وناشئة مهتمة، وهنالك آراء جديدة تدعو إلى معالجة موضوع اختيار المدن المضيفة، منها مثلاً من قبل مديرة صندوق النقد الدولي التي تدعو إلى اعتماد «أثينا» كمركز دائم للألعاب الأولمبية الصيفية للاستفادة الطويلة الأمد من الاستثمارات الضخمة التي قامت بها في الماضي

تقام الألعاب الأولمبية كل 4 سنوات في كل من جانبيها الصيفي والشتوي. الألعاب هذه السنة صيفية كانت في الريو ودهشت العالم في تنظيمها ونتائجها. الألعاب الصيفية أضخم ويشارك بها عدد أكبر من الرياضيين في مسابقات أكثر وأضخم بكثير. في الريو كان هنالك 10 آلاف رياضي ورياضية من 204 دول يتنافسون في 300 مسابقة ضمن 28 رياضة مختلفة. تم بيع 10 ملايين بطاقة دخول وبلغت الإيرادات الإعلانية مع حقوق النقل مليارات الدولارات. في الألعاب الشتوية الأخيرة التي جرت في سنة 2014 في سوشي الروسية، شارك 3 آلاف رياضي ورياضية من 88 دولة للمنافسة في 98 مسابقة ضمن 15 رياضة مختلفة. الإيرادات الشتوية لم تكن قليلة لكنها دون مستوى المسابقات الصيفية.
الرياضة مهمة للصحة والنمو الاقتصادي العام وتساهم في مكافحة البدانة التي تضرب الصحة وتقصر العمر وتنتشر أسفاً في كل دولنا العربية بسبب سوء نوعية الغذاء وعدم القيام بالرياضات الصحيحة الصحية والدورية. كلفت دورة الريو ما يفوق ال15 مليار دولار في وقت تعاني خلاله البرازيل أزمة اقتصادية وسياسية وإدارية وصحية تنعكس جميعها سلباً على النمو والبطالة. بعض البرازيليين عارضوا قيام الألعاب في بلدهم باعتبار أن الإنفاق الكبير الذي تم هو في معظمه هدراً للأموال العامة وتمويلاً للفساد، لذا فلا جدوى منه وبالتالي ينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للفقراء.
في الحقيقة بالرغم من التكلفة العالية لتنظيم الألعاب الأولمبية، نرى أن مدناً عديدة تتنافس على تنظيمها وتبذل أقصى الجهود الممكنة للحصول على هذا الشرف. في الريو هنالك 4 مدن تتنافس على استضافة ألعاب 2024 وهي باريس، لوس أنجلوس، روما وبودابست. رأينا الرئيس الفرنسي في افتتاح ألعاب الريو يحاول جيداً بالتعاون مع عمدة باريس القيام بالحملة الدعائية اللازمة كي تفوز العاصمة الفرنسية بتنظيم الألعاب بعد 8 سنوات. ما هي الفوائد والخسائر من استضافة ألعاب بهذا الحجم؟
أولاً: المنافع وهي متنوعة بدءاً من الإيرادات السياحية التي تترافق مع تنظيم الألعاب والتي تؤثر إيجاباً في كل القطاعات حتى الصناعة والزراعة. هنالك انعكاس إيجابي واضح على الحركة الاقتصادية والعمالة. هنالك الربح المعنوي الذي يشكله هذا التنظيم الذي يدخل المدينة في التاريخ كواحدة من أعرق المدن الحضارية. هنالك العامل النفسي الذي يجذب السعادة والفرح لسكان المدينة ويمتد على سنوات قبل وبعد المنافسات. المنافع هي مادية ومعنوية ونفسية.
ثانياً: التكلفة كبيرة من الجهة الأخرى أي إنشاء الملاعب والفنادق وتطوير، بل إضافة بنية تحتية ضروية كي تمر الألعاب بهدوء وفعالية. من هذا الإنفاق الدائم إنشاء وسائل نقل وتوسيع طرق وربما مطارات وسدود ومنازل للرياضيين وأمكنة للتدريب، بالإضافة إلى تكلفة التنظيم والصيانة وتأمين الأمن. قسم من هذا الإنفاق يبقى بعد الألعاب ويمكن الاستفادة منه لنشاطات أخرى، إنما هنالك قسم آخر يبقى عاطلاً لأن لا حاجة له في الحياة العادية.
في كل الحالات، التكلفة التي يمكن تقييمها تفوق المنافع لكنها لا تمنع المسؤولين من المطالبة باستضافة هذه الألعاب الكبيرة المهمة. كانت معظم المدن المتنافسة في الماضي من الدول الصناعية، أما مؤخراً بدأنا نرى دولاً نامية وناشئة مهتمة كالبرازيل تحديداً. هنالك آراء جديدة عالمية تدعو إلى معالجة موضوع اختيار المدن المضيفة، منها مثلاً من قبل مديرة صندوق النقد الدولي التي تدعو إلى اعتماد «أثينا» كمركز دائم للألعاب الأولمبية الصيفية. هذا يسمح للعاصمة اليونانية بالاستفادة الطويلة الأمد من الاستثمارات الضخمة التي قامت بها في الماضي والتي تحتاج إلى القيام بها مستقبلاً. هنالك آراء أخرى تقول باعتماد المداورة بين 5 مدن في القارات المختلفة، فتقام فيها الألعاب مداورة مما يسمح لكل منها بالاستفادة المادية من استثماراتها الضخمة خاصة في البنية التحتية الرياضية.
هنالك سؤالان مهمان يربطان أيضاً الرياضة بالاقتصاد. قسم من الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية يعلم سلفاً أن لا أمل له في الحصول على أي ميدالية. فلماذا تشارك هذه الدول وتتكلف عناء السفر؟ السؤال الثاني يرتبط بالوضع العربي أية ميداليات قليلة جداً لمنطقة تتمتع بالقدرات البشرية والمادية الكبيرة. لماذا لا نستطيع كرياضيين عرب تحقيق نتائج أفضل والحصول على عدد ميداليات أكبر ليس مقارنة بالولايات المتحدة والصين، وإنما مقارنة ببعض الدول الإفريقية والآسيوية؟ ألا يمكننا تحسين النتائج وما هي العوائق؟
بشأن المشاركة، الربح مهم لكنه غير ضروري:
أولاً: المشاركة هي مهمة وطنية وتقع في صلب الاستقلالية والهوية الوطنية. المشاركة في الألعاب الأولمبية هي كالانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة حتى لو كانت المنظمة غير فاعلة ومكلفة ولا تعطي النتائج المطلوبة منها.
ثانياً: عدد من الرياضيين المشاركين في الألعاب يحصلون على دعم أو مساعدات من اللجنة الدولية كي يحسنوا أداءهم. إذا لم يشاركوا لا يحصلون على أي دعم مادي. حصل لبنان مثلاً على 132 ألف دولار من اللجنة الدولية أعطيت كمنح شهرية قدرها 550$ على سنتين ل11 رياضياً شاركوا في المباريات في الريو.
ثالثاً: لا شك أن المشاركة في الألعاب الأولمبية تؤهل الرياضيين للفوز في المسابقات الأقل تنافسية كالإقليمية والوطنية، وبالتالي هنالك فائدة رياضية مباشرة في المشاركة ومحاولة الفوز إذا أمكن.
أما عدم فوز الدول العربية بعدد ميداليات تتناسب مع حجمها السكاني والمادي والمعنوي كما الاقتصادي، فيعود إلى عوائق مختلفة أهمها:
أولاً: عدم الاهتمام الكافي بالرياضة في المجتمع بدءاً من البيت إلى المدارس فالجامعات، باعتبار أن الرياضة ليست مهمة كالمواد الأخرى، وبالتالي الإكثار في الرياضة هي مضيعة للوقت.
ثانياً: ليس هنالك اهتمام رسمي كاف بالرياضة لا في الموازنات العامة ولا في الرعاية والتنظيم والتنويه بالنشاطات الرياضية. الفساد الذي يضرب الاقتصاد والإدارة يضرب أيضاً الرياضة والرياضيين. من الأسف أن نشهد انتشار الفساد في المنظمات الرياضية العالمية بدءاً من كرة القدم إلى مختلف الألعاب.
ثالثاً: عدم مشاركة النساء العربيات في معظم المسابقات لأسباب ثقافية أو أخرى، مما يحرم العرب من إمكانية الفوز في نصف المسابقات تقريباً. ما زال هذا العائق موجوداً بقوة بالرغم من التقدم الحاصل في بعض الدول كلبنان.

رابعاً: هنالك ضعف في التدريب والرعاية وهذا يتطلب جهداً من قبل الرياضيين والنوادي ومالاً من الدولة والقطاع الخاص. مشكلتنا عربياً أننا غارقون في حروب وصراعات سياسية وأمنية تمنع التركيز على الأمور الجيدة، وبالتالي تؤخرنا رياضياً وثقافياً وعلمياً وغيرها. هذا تفسير فقط لكنه ليس تبريراً إذ إن أوضاع العديد من الدول النامية والناشئة هي أسوأ.

خامساً: ليس هنالك تخصص برياضات معينة لنا فيها أفضليات مقارنة، وبالتالي التركيز عليها للفوز. لا يمكننا الفوز في العديد من المسابقات، إنما يمكننا الفوز في بعض منها، وبالتالي وضعها كهدف يجدي تماماً كما تفعل مثلاً جامايكا في مسابقات الركض.

سادساً: هنالك نقص في التمويل. فلنأخذ مثلاً دولاً أخرى ناجحة ونرى كيف تدعم الرياضات ليس فقط للفوز، وإنما للصحة العامة والمصلحة الوطنية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"