الديمقراطية في الجزائر

05:40 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

حسمت المؤسسة العسكرية الجزائرية عقدة سادت البلاد لعقود مفادها أن بعض الأطراف هي من تضع مقاسات رؤساء البلاد، وتعهدت بأن عهد الإملاءات قد ولى بلا رجعة، في مؤشر صريح على مواكبة تطلعات الشعب الجزائري إلى غد ديمقراطي يتأسس على تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وبناء دولة عصرية تجمع بين الوفاء للماضي التليد والالتزام بمقتضيات المرحلة الجديدة.
موقف الجيش، الذي كان ومازال مؤتمناً على مكتسبات البلاد وتضحيات مئات آلاف الشهداء ضد الاستعمار، جاء ليرد أيضاً على حملات مشبوهة تستهدفه وتتهمه بالسيطرة على الوضع السياسي، على الرغم من أن التوجه العام يشير إلى رهان وطني على انتخابات رئاسية تشرف عليها هيئة مستقلة، ويعمل البرلمان هذه الأيام على ضبط سلطتها ونطاق عملها بعيداً عن كل المؤثرات الحكومية أو السياسية. وربما يأتي إعلان رئيس الوزراء نور الدين بدوي أنه سيستقيل قريباً من منصبه ليعزز هذا التوجه ولخلق الظروف المؤاتية لتسهيل إجراء الانتخابات. كما تنسجم مع المزاج الشعبي العام التواق إلى نحت تجربة ديمقراطية تتوج أشهراً من الحراك السلمي المتحضر، الذي مازال يشكل مفاجأة جزائرية متفردة.
بداية الشهر الحالي، شدد قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح على ضرورة الدعوة إلى انتخابات بحلول 15 من سبتمبر الجاري ليختار الشعب من يقوده في جمهورية جديدة. ويستهدف هذا الموقف الخروج من مرحلة تصلب بعض المواقف إزاء الأزمة المستمرة. فإجراء الانتخابات هو الحل الوحيد الأسلم والضامن لعدم الانزلاق إلى مزيد من التوتر. ومما يلاحظ أن المؤسسة العسكرية تتحلى بالكثير من ضبط النفس وتريد أن تحافظ على السلم الاجتماعي والوئام المدني، مقابل بعض المطالب التي يمكن، في حال الأخذ بها، أن تجر إلى انقسامات سياسية حادة. ومما يطفو على السطح أن بعض القوى الليبرالية واليسارية ترفض دعوة الجيش لإجراء انتخابات عاجلة، وتدعو بديلاً لذلك إلى مرحلة انتقالية وانتخاب مجلس تأسيسي يصوغ دستوراً جديداً. ومن الواضح أن هذا التوجه لا يحظى بإجماع واسع، ويدرك كثير من الفاعلين أن للجزائر خصوصية قد لا تستوعب تجارب وافدة حتى وإن كانت من الجوار القريب.
ما يدور في الجزائر لا يمكن فصله عما يجري في الفضاء المغاربي، ولا شك أن تعزز المسار الديمقراطي في تونس بإجراء انتخابات رئاسية، سابقة مشجعة، بعث في النشطاء الجزائريين الرغبة في الاستلهام من هذه التجربة الجارة التي بدأت تؤثر في المنطقة ووجدت لها مثيلاً آخر في موريتانيا قبل أشهر. وبالنسبة إلى الجزائريين، بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم، فإن الدخول إلى العصر الديمقراطي أصبح حتمية تاريخية تفرضها عوامل تطور المجتمع والانفتاح على الآخر والتفاعل مع التأثيرات الإقليمية والدولية. ومن هذا المنطلق تترسخ القناعة بأن الديمقراطية هي الأسلوب الأمثل لمحاسبة صاحب السلطة أو مكافأته، مع الأخذ في الحسبان خصوصية البلد ومصالحه العليا، والقناعة بأن النظام الديمقراطي تتشكل مضامينه داخلياً ولا يمكن إسقاطه من الخارج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"