السودان إلى أين؟

03:32 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبد العزيز المقالح

وحده الله تعالى، يعلم إلى أين تمضي الأقطار العربية المبتلاة بالانقلابات والحروب والصراعات الطائفية، وما السودان سوى واحد من هذه الأقطار التي تسير نحو المجهول بكل احتمالاته السيئة.
ومنذ حصل السودان على استقلاله في عام 1956م وحتى الآن شهد عشرات الانقلابات، وكل واحد منها يأتي معلناً ثورته على من كان قبله، ثم ينتظر دوره، حين تأتي ثورة أو بالأصح انقلاب يطيح به.
وسوف يستمر هذا هو حال السودان وحال الأقطار العربية المماثلة له في أوضاعه وانقلاباته المتكررة، إن لم يتداركها الحظ جميعاً وتهتدى إلى الطريق المستقيم، طريق التداول السلمي للسلطة بعيداً عن العنف وتدمير الإمكانات المؤهلة للتطور وبناء الحياة الجديدة.
الفارق بين أقطارنا الانقلابية والأقطار الحديثة في أوروبا وغير أوروبا ، كبيرة وهي أن هذه الأقطار تأخذ بمبدأ التداول السلمي للسلطة، وأقطارنا لا تؤمن بهذا المبدأ ولا تحاول الأخذ به . ومن هنا سيظل الفارق يكبر ويتسع، وتلك تصعد وهذه تهبط. وكل محاولة لترقيع حلول أو انتظار معجزة مصيرها الفشل. وهو ما ينتظر السودان الشقيق الذي تعددت فيه الانقلابات وأنهكت كيان الشعب ومزقت وحدته الوطنية والجغرافيا. وحبذا لو اهتدى من بيدهم مقاليد الحكم الجدد إلى الحل الذي لا حل غيره، واقتنعوا بأن التداول السلمي للسلطة هو أعظم هدية وأنبل ثورة يقدمونها لشعبهم بلد النهرين العظيمين: النيل الأبيض والنيل الأزرق، وبلد سلة الغذاء العربي المهدور.
هل آن لتلك الجماهير الغفيرة التي تجوب شوارع الخرطوم وشوارع مدن سودانية أخرى أن ترفع شعار التداول السلمي للسلطة وأن تدرك أهميته، ومدى ما سوف يحققه من حضور إيجابي في الحياة السياسية، وما سوف يعكسه من الاستقرار ومن نجاحات عالية على أكثر من صعيد. ونحن ندري أن المشكلة تكمن في أن الجماهير المطالبة بالتغيير تجهل أهمية التداول السلمي للسلطة وتبقى دعوتها للتغيير غامضة غير واضحة الملامح.
وهنا يبدو تقصير المثقفين وقصور وعيهم، وما يفرضه على بعضهم الانتماء الحزبي من انصياع إلى المطالب المحدودة في إطار شعارات الحزب وتطلعاته الضيقة .
إن السودان الذي جرّب أكثر الانقلابات العسكرية، وشهد أكثرها دموية، هو الجدير بأن يقدم التجربة الناجحة، تجربة الخلاص من الانقلابات والخلاص من آثارها السلبية والمدمرة، وفي إمكان ضباط الانقلاب بوصفهم الطليعة الشعبية الممسكة بزمام الأمور حالياً أن يكونوا استثناء سودانياً وعربياً. وأن تبدأ بهم وبفضلهم مرحلة التداول السلمي للسلطة بكل ما تبشر به من وعود بالاستقرار والبناء. فهل ينصتون إلى هذا النداء ويقدمون لشعبهم ولبقية الأقطار العربية التي أسلمت نفسها لمتاهة لا أول لها ولا آخر، ويمكن القول إن التجارب المتعددة تلك التي خاضها الوطن العربي لم تكن نتيجة اختيارات واعية ومدروسة، وإنما عشوائية، وفي أغلبها تقليد لتجارب فاشلة لا تنتمي إلى العصر الحديث، ولا تعبر عن التطلعات الجادة للمواطن العربي الذي طال انتظاره للتغيير الحقيقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"