السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط

03:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يغلب على السياسة الخارجية الأوروبية في الشرق الأوسط التردد، والضعف، وعدم القدرة على اتخاذ مواقف حاسمة على مستوى العديد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية، ويؤكد الأوروبيون على اختلاف توجهات بلدانهم، أن الاتحاد الذي يجمعهم استطاع أن يحقق على مدى عقود من الزمن، إنجازات كبرى في مجال التكامل الاقتصادي بين أعضائه، لكنه فشل حتى الآن في رسم معالم سياسة خارجية موحّدة، كما أخفق في إنشاء منظومة دفاعية مستقلة عن الهيمنة الأمريكية. وقد دفعت هذه الوضعية الكثيرين إلى القول إن أوروبا أصبحت عملاقاً اقتصادياً قادراً على مواجهة المنافسة الأمريكية والصينية، لكنها في المقابل ما زالت قزماً سياسياً، بسبب طغيان الحسابات الضيقة للدول على المبادئ المشتركة للسياسات الخارجية.
والواقع أن السياسة الخارجية الأوروبية ما زالت تعتمد على تصورات جيوسياسية موروثة عن مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ولم تتمكن من تجديد مقاربتها في ما يتعلق بالتعامل مع ملفات الشرق الأوسط البالغة التعقيد، وما زالت في اللحظة نفسها القوى الاستعمارية السابقة تتعامل مع الوطن العربي على أساس اتفاق تقاسم مناطق النفوذ الذي أُبرِم في بداية القرن الماضي، ما بين بريطانيا وفرنسا ومباركة روسية. وبالتالي فإنه وفي الوقت الذي أعادت فيه روسيا تجديد رهاناتها الاستراتيجية في المنطقة اعتماداً على تطورات الأوضاع، فإن معظم الدول الأوروبية لا تأخذ في الحسبان كل التحولات الإقليمية الجارية.
وفضلاً عن ذلك فإن السياسة الأوروبية بالنسبة إلى الصراع العربي - «الإسرائيلي»، تعتبر حتى الآن هي الأكثر ضعفاً على الإطلاق، إذا قارناها بسياسات واشنطن وموسكو، لأن السياسة الأوروبية يغلب على خطابها التناقض والازدواجية، بخاصة عندما تعلن أنها تؤيد حل الدولتين، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتؤكد في اللحظة نفسها أنها لا تستطيع أن تتبنى أي موقف سياسي يمكنه أن يهدد أمن «إسرائيل».
أما على المستوى الدبلوماسي الرسمي، فإن نشاط فردريكا موجريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي المكلفة بالشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، يمثل واجهة سياسية بروتوكولية بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط، إذا إنه وحتى قبل انتخابات «البريكست» كانت سياسة لندن الخارجية في الشرق الأوسط، تحتفظ دائماً باستقلالية كاملة عن مؤسسات بروكسل، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن فرنسا التي تنسّق سياستها الخارجية مع برلين بشكل استثنائي لاعتبارات تتعلق بتوازن القوى داخل الاتحاد الأوروبي؛ أما بالنسبة إلى دول جنوب أوروبا فمن الواضح أنها مهتمة في المقام الأولى بما يحدث في الدول العربية في شمال إفريقيا، ولا تعتبر نفسها معنية بشكل مباشر بالصراع العربي - «الإسرائيلي».
وتكمن نقطة الضعف الأساسية في السياسة الخارجية الأوروبية التي تضخمت مع تزايد أعضاء الاتحاد، في دول حلف وارسو سابقاً التي باتت تربطها علاقة وثيقة «بتل أبيب» وتخضع في سياستها الخارجية لتبعية شبه مطلقة للسياسة الأمريكية إلى الدرجة التي جعلت المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه يسميها بدول «شرق أمريكا»، الأمر الذي يجعل عملياً إمكان بناء سياسة أوروبية موحّدة بشأن ملفات الشرق الأوسط، حلماً بعيد المنال. ومن المستبعد أن يتغير هذا الوضع في المرحلة الراهنة مع زحف قوى اليمين الشعبوي على السلطة في مختلف دول شرق أوروبا.
لذلك، فإن من المحتمل جداً أن تخرج مستقبلاً بعض عواصم أوروبا عن طاعة بروكسل، وتعترف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، لاسيما مع تزايد الضغوط الأمريكية عليها من أجل اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.
وقد ازدادت السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط تخبطاً بعد دخول العنصر التركي في معادلة الصراع في المنطقة، حيث أسهم التوافق الروسي - التركي في سوريا في تحجيم الدور الفرنسي والبريطاني، بموازاة تراجع الدور التاريخي لفرنسا في لبنان لمصلحة القوى الإقليمية.
ويمكن القول في الأخير، إن طموح أوروبا إلى لعب دور القوة الموازية في مواجهات السياسة الأمريكية غير المتوازنة في الشرق الأوسط، يظل غير واقعي في أعين المراقبين نتيجة للتحولات التي يشهدها الاتحاد الأوروبي، والناجمة بشكل أساسي عن تزايد المد القومي، وتراجع التنسيق المتبادل بين أعضاء الاتحاد، في مقابل الانتشار غير المسبوق للنفوذ الأمريكي في القارة العجوز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"