الشرق الأوسط بعد ترامب

02:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
عاش الشرق الأوسط تحولات دراماتيكية في عهد الرئيس أوباما وإدارته، وربما من أهم تلك التحولات حراك الشعوب العربية فيما عرف ب«الربيع العربي»، وبدا أن الإدارة الأمريكية خلال عهد أوباما قد مالت إلى الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، وإعطاء الأولوية الاستراتيجية لعلاقتها مع الصين، في محاولة لاحتواء القوة الصينية الصاعدة، التي عَرفت خلال السنوات الأخيرة ميلاً إلى تجديد عقيدة الجيش الصيني، وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية، وهو ما زاد من قلق الولايات المتحدة، إضافة إلى الملف الرئيسي، وهو ملف المواجهة الاقتصادية مع الصين.
كما شكّل الاتفاق النووي بين أمريكا والغرب مع إيران واحدة من أهم الخطوات الأمريكية التي تظهر الميل الأمريكي نحو ترك الشرق الأوسط إلى تفاعلاته الذاتية، في خطوة شكلت استدارة عن الحلفاء التقليدين، وإعطاء إيران ميزة العبور إلى النظام الدولي، وتصفير مشكلاتها مع الغرب، وسحب العداء التاريخي بين واشنطن وطهران، بما يسمح للأخيرة من توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وإجراء تحولات في اقتصادها الداخلي.
وإذا كان العديد من المحللين في مراكز الأبحاث داخل أمريكا وخارجها قد استبعدوا فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون، ما أعطى انطباعاً قوياً بأن الإدارة الجديدة ستسير في نهج أوباما، لكن فوز ترامب وضع الجميع أمام مهمة إعادة النظر في الوضع الجديد الذي سينشأ بعد تسلمه منصبه رسمياً.
لقد أدلى ترامب خلال حملته الرئاسية بتصريحات عدة حول الشرق الأوسط، منها: ما يتعلق بإعادة النظر في الاتفاقية الموقعة مع إيران، ومنها ما يتعلق بمنطقة الخليج، لكن علينا أن نميز هنا بين التصريحات التي يطلقها المرشحون خلال حملاتهم، والسياسات الفعلية التي يمضون فيها بعد وصولهم إلى الحكم، مع الآخذ بالحسبان أن تلك التصريحات تشكل جذراً مهماً في الرؤية السياسية لأي مرشح، وهو ما يمكن تطبيقه على ترامب نفسه. فقد كان واضحاً أن ترامب ينتمي إلى مدرسة متجذرة في العقل السياسي الأمريكي، وهي الميل إلى استخدام الأدوات الخشنة، في سبيل تحقيق التفرد الأمريكي، كما أن هذا الميل لدى ترامب في إبراز العضلات الأمريكية ليس بعيداً عن التأثر بسيل الانتقادات التي وجهت إلى إدارة الرئيس أوباما بأنها أسهمت في تراجع مكانة الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
وفي هذا السياق، فقد نلحظ ميلاً لدى الإدارة الجديدة في ابتزاز دول بعينها، وفتح ملفات معينة، للتأثير بسياسات تلك الدول، وفي مقدمتها ملف الإرهاب، انطلاقاً من رؤية قاصرة في العلاقات الدولية، أو في حصر المشكلة بأسباب معينة دون غيرها، في ظل إغفال أهمية الوصول إلى مستوى من الاستقرار في الشرق الأوسط، ودور هذا الاستقرار في منظومة الاستقرار العالمية نفسها، وبهذا فإن تغيير الأدوات في الإدارة الأمريكية لن يعطي نتائج أفضل من التي أعطتها إدارة أوباما، التي أسهمت رؤيتها السلبية في الفوضى التي تشهدها المنطقة.
وبخصوص الاتفاق النووي، فإن عقبات عديدة تحول دون إلغاء الاتفاق مع إيران، لكن أدوات الضغط الأمريكية ما زالت قائمة، خصوصاً في الملف الاقتصادي؛ حيث ما زال تأثير التدخل الأمريكي في منع إيران من إقامة علاقات بنكية مع المصارف العالمية يفعل فعله في خفض مستوى استفادة طهران من الاتفاق النووي، وإذا ما مضى ترامب في سياسات عدائية تجاه إيران فإن حظوظ الإصلاحيين داخل إيران ستكون ضئيلة في الاحتفاظ بمواقعهم، وستعود بقوة الأصوات المتشددة التي وقفت ضد الاتفاق، التي رأت فيه مقدمة لاختراق أمريكي للسياسات الإيرانية.
في ظل التحولات التي ستشهدها الاستراتيجية الأمريكية بقيادة ترامب سيكون الشرق الأوسط أمام احتمال أكبر لتوسع رقعة الفوضى، وزيادة عناصر الاضطراب، خصوصاً إذا ما طبقت الإدارة الجديدة السياسات قائمة على الابتزاز، وهو ما سيجعل من نقاط الاختلاف أكبر بكثير بين دول المنطقة والولايات المتحدة، إذ إنه من الواضح بأنه لا نية لدى ترامب وفريقه في دفع المنطقة نحو الاستقرار، وأن منطق إدارة الأزمة بدلاً من حلها سيكون العنوان العريض للإدارة الجديدة، لكنها ستكون إدارة غير متوازنة، لأنها ببساطة لا تنطلق من قاعدة تأمين منظومة أمن إقليمي لتبادل المصالح، التي تتطلب مستوى فاعلاً من التدخل الأمريكي لضبط المواجهات الإقليمية، بل تنظر إلى تلك المواجهات باعتبارها فرصة لشكل جديد من الهيمنة.
إن النهج الأمريكي الذي بدأ مع أوباما، وسيستمر بأشكال وصور أخرى في عهد ترامب، يجب أن يدفع دول المنطقة إلى اتخاذ سياسات جديدة، تنظر إلى التحولات الأمريكية باعتبارها فرصة لتبني سياسات مختلفة، تقوم على تفعيل العوامل الذاتية، وعقلنة السياسات، وإطلاق عملية حوكمة داخلية، وتفعيل القوى الاجتماعية والاقتصادية، والإعلاء من شأن توجهات سياسية إقليمية تهدف إلى الحد من استنزاف دول وشعوب المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"