الشيخ محمد بن راشد وبناء الجسور إلى القلوب

03:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
لا أعتقد أن أحداً من الناس في الإمارات، مسؤولاً في الحكومة أم فرداً عادياً، مواطناً أم مقيماً، لم يتأثر بما رآه وشاهده عبر شاشة التلفزيون ليلة الأحد الماضي في الأخبار المحلية من تلفزيون دبي، ذلك المشهد الذي جسّد موقفاً إنسانياً غاية في السمو وغاية في العلو، وغاية في القيادة الرشيدة لهذا الشيخ الكبير، الشيخ محمد بن راشد، موقف زيارته غير المتوقعة والمفاجئة لمنزل سيدة إماراتية عاملة في إدارة المطافئ، يقول لها أحسنت في ما قمت به من عمل وجهد في إطفاء الحرائق.هذه السيدة العاملة من عامة الناس، ولكن الشيخ محمد بحسّه القيادي الدقيق، وبحثه الدؤوب عن الكفاءات الكامنة في مواهب العاملين لديه وفي مؤسساته، اكتشف في هذه السيدة شيئاً غير عادي في إدارة عملها المناط بها، وهذا الشيء، هو الكفاءة والاخلاص في أداء الواجب والمثابرة عليهما، وعندما التقى بها أمام منزلها، قال لها، إنه يراقب عملها ويسأل عنها دائماً ويقدر ما تقوم به، وأطرى جهودها في ميدان عملها، ما كان لها وقع كبير على نفسية هذه السيدة المواطنة التي لفت الشيخ محمد أنظار الناس إليها في كل مكان مقدراً لها ما عملته من أجل بلدها.ولا ريب أن الشيخ محمد بعمله هذا الذي قام به تجاه هذه السيدة العاملة، يرتقي بقيادته التي يضرب بها الأمثال الحسنة في كل يوم، إلى مرتبة المربي الجيد للمسؤولين والاداريين في الدولة، ومن بين هؤلاء، الاداريون في الحكومة المحلية في دبي، ويلفت انتباه هؤلاء إلى أن القيادة هي اكتشاف المواهب والطاقات الكامنة في النفوس، والبحث عن الكفاءات وإظهارها وتشجيعها لكي تعمل، وإن المسؤول أو المدير أو القيادي الذي لا يبحث عن شيء اسمه الكفاءة لدى من يرأسهم، يظل بارحاً مكانه ولن يستطيع المضي في العطاء، لأن العمل التنموي يحتاج إلى فريق عمل وعلى قائد الفريق أن يكتشف في فريقه هذه الكفاءة ويدفعها للعمل، ويتخلص من عقد الأنانية.والشيء الجيد في أسلوب الشيخ محمد بن راشد القيادي، أنه في بحث مستمر عن الكفاءات لكي يلقي إليها زمام المسؤولية، ويرى أن الكفاءات لا بد أن تكون دائمة العطاء من دون توقف، ومن يتوقف، فإن عليه أن يتنحى لكي يأتي غيره، كما أن الجيد عند هذا القيادي، الشيخ محمد بن راشد، أنه يقدم للإدارة من هو الأكفأ من دون إعطاء أية اعتبارات للانتمائية أو الفئوية، وبواسطة هذه النظرة الحضارية المتقدمة، تشهد الإمارات اليوم تحوّلاً كبيراً نحو إقامة مجتمع مدني متطور يخرج عن الانتمائية الضيقة. ولعمري فإن هذا الأسلوب المتمدين الذي يتبعه الشيخ محمد هو الطريق الأمثل لخلق المجتمع المدني الذي يشعر فيه كل فرد بأن الدرب ممهد أمامه لكي يتقدم إذا تسلح بالمواهب والكفاءة وليس لانتمائه الفئوي أي تأثير، وهنا تطمئن النفوس وتشعر بالمساواة ويكون ولاء الفرد للوطن وللدولة وللقيادة وليس للانتماء أو للطائفة.نحن جميعاً من الواجب علينا أن نكون لمثل هذه الأعمال الحسنة التي يقوم بها المسؤولون في الدولة مشجعين ومؤازرين، لأنها من الأعمال التي تثبت للعالم أن مجتمع الإمارات مجتمع مدني متقدم وأنه يحترم حقوق الإنسان في كل أعماله وأقواله، وندعو الله أن يحفظ الشيخ محمد بن راشد ويثيبه على هذه الخطوات الكبيرة التي يخطوها، والتي تؤكد للأنام أنه من الكبار في تاريخ هذه المنطقة التي نعيش فيها من العالم، وأنه يقارن دائماً أعماله بأقواله. فلنستمع إليه يحدثنا في كتابه، "رؤيتي"، في هذا المعنى الذي نحن بصدده، وبأسلوبه الذي يجمع بين العفوية والبساطة والصدق في التعبير، في الصفحتين 100 و101."بعض القادة وصل إلى مرحلة لم يعد قادراً معها أن يقول لمن معه: شكراً. بعض القادة لا يعرف كيف يربت على كتف موظف ناجح ويقول: أحسنت. لقد فعلت شيئاً جميلاً تستحق عليه المكافأة. هل يعرف هؤلاء وقع الكلمة الطيبة؟ إنها الجسر إلى القلوب ورفع المعنويات وإزالة سوء الفهم، ويجب علينا جميعاً أن نتقن نطقها بصدق وعفوية، الابتسامة مثلها ومثلها أيضاً الثناء واللفتات الشخصية والاهتمام بأحوال المرؤوسين والاسهام في حل مشاكلهم. هل يعرف هؤلاء ما الذي يفعله التقدير؟ إنه يفجر طاقات الشباب ويزيدهم عطاء ويدفعهم في طريق النجاح والانجاز عشرات السنين إن لم يكن طول عمرهم. إنها وسيلة مجربة رخيصة التكاليف لكسب الولاء والإخلاص وزيادة الانتاج. إنها سلوك يجب على القائد الناجح أن يشيعه بين الناس ويؤكد ضرورة الالتزام به، بل هو أسلوب حضاري يجب أن يكون طابع التعامل بين أفراد المجتمع.ما الذي أحلّه بعض القادة محل كل هذا؟ الخوف. يجب على الفرد أن يخاف القائد، يجب أن يخشى سطوته، يجب أن يبتعد عن طريقه، يجب أن يعيش في الزوايا المظلمة لئلا ينتبه إلى وجوده، يجب أن يفكر دائماً بهذا القول ويعمل به: اعمل، تخطئ.. تعاقب. لا تعمل، لا تخطئ.. لا تعاقب.نستطيع في الوطن العربي أن نحقق الطموحات وننجز أكبر المشاريع ونصنع ملايين فرص العمل، لكن إذا صار الفرد هكذا صار المجتمع هكذا، وإذا صار المجتمع هكذا فعلى المجتمع السلام. لن يعمل ولن ينتج ولن يسابق ولن يبدع. هذا هو الناتج الاجمالي لمثل هذا السلوك، لكن مضاعفاته أبعد من هذا بكثير. إذا أردنا أن نعرف كيف نتفادى الهزيمة التالية علينا أن نعرف لماذا وقعت الأولى. اسمعوا ابن خلدون في مقدمته: "إذا كان الراعي قاهراً باطشاً بالعقوبات منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلّقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات".اهتمامنا ليس بتعداد الذنوب بل بتعداد الإنجازات، وليس بمن ننتقد بل بمن نمدح، وليس بمن نحبط بل بمن نحفز، وليس بمن نجبر بل بمن نقنع، وليس بمن نعاقب بل بمن نكافئ. ذاكرتنا في المخطئ مثل الخاطرة العابرة، وفي المصيب أدوم من الكلمة المكتوبة، لذا أنتجوا أيها الشباب واخطئوا. أبدعوا واخطئوا. هذا هو المكان الذي أوصلتنا إليه قيادتنا اليوم. الفترة التي كان فيها اعتذار مسؤول عن الاستمرار في إدارة مشروع أو برنامج أو مهرجان لأي سبب من الأسباب يولد الإرباك انتهت إلى غير رجعة. لدينا اليوم فريق كبير من الشابات والشباب المؤهلين ويستطيع أي واحد منهم إدارة مشروع أو مهرجان كبير بمفرده وتحقيق النجاح المتوقع".
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"