الشيخ محمد بن راشد ومكرمة "دبي العطاء"

23:32 مساء
قراءة 3 دقائق
وقف الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، بالأمس والقى بعفويته المعروفة كلمات تعبيرية جميلة عبر فيها عن امتنانه الشخصي لكل من ساهم في مشروع دبي الحضاري، مشروع دبي العطاء، وقال إنه ممتن للذين ساهموا بأموالهم وتشجيعهم وجهودهم من أجل إنجاح هذا المشروع، واللطيف أن الشيخ محمد قال: إنه لا يستثني أحداً من هذا الثناء، حتى الذين لم يساهموا، لعل يكون لهم رأي أخر، وإني احترم آراءهم، بهذه العبارات المتسمة بالحنان الأبوي لأهله ورفاقه اختتم الشيخ محمد حديثه عن دبي العطاء، ولسان حاله يردد مع الشاعر العربي عن التسامح والتغاضي عن أسية الأهل: إذا أنت في كل الامور معاتباًصديقك لا تلق الذي لا تعاتبهإذا أنت لم تشرب مراراً على القذىظمئت وأي الناس تصفو مشاربهفعش سالماً أو صل أخاك فإنهمقارف ذنب مرة ومجانبه إنني شخصياً لا أعتقد أن هناك من يبدي ملاحظات سلبية على هذا المشروع الإنساني الحضاري، إلا إذا كان هذا الشخص يدور ويلف حول نفسه ولا يرى إلا موضع قدميه، ولا يؤمن بأنه جزء من هذا العالم الواسع، وعليه أن يتفاعل مع شؤون هذا العالم وشجونه.. فنحن اليوم وأقصى بلاد الدنيا مشتركون في الأفراح والأتراح، وإذا حدث ما لا يسر في أي مكان فإننا نتفاعل مع من وقعت عليه المآسي، وعلينا أن نجنّب جارنا الكوارث قبل أن تنتقل إلينا هذه الكوارث، وقد قالوا في المثل الشعبي الإماراتي (إذا انحشر جارك، حشرك قريب) والحشر، هنا، الضيق، وسوء الحال، والجار اليوم ليس جار الأمس القريب، جار في العشيرة والجغرافية القريبة، بل الجار اليوم هو الإنسان، أينما كانت دياره، في أمريكا، وفي آسيا، وفي إفريقيا، وفي بقاع لم تكن لها بها من صلة من قبل.دبي العطاء، المشروع الذي ابتدعه الشيخ محمد بن راشد، مشروع إنساني، يفيد جزءاً كبيراً من العالم لا تساعده حالته على النهوض التنموي، وهو عاجز عن اخذ أسباب الرقي بسبب ما يعانيه من فقر وآفات يولدها هذا الفقر، وأهم هذه الآفات وأكثرها بل أساسها، هو عدم تمكن هذه الشعوب الضعيفة من تخطي الصعاب بسبب الجهل وعدم توفر الأسباب المفضية إلى الخروج من شرور هذه الآفة.وليس معنى هذا أن العالم المتقدم وهيئاته ومؤسساتها كالأمم المتحدة والهيئات الملحقة بها لا تحرك ساكناً لمجابهة التخلف الذي تعيشه الشعوب الفقيرة، بل هناك هيئات تعمل ومنذ سنوات طويلة على محاربة الجوع وإطعام الجائعين في الدول الأشد فقراً، وخاصة في إفريقيا، كما أن هناك هيئات أخرى كاليونسكو تعمل على نشر الوعي الثقافي بين هذه الشعوب لكي تساعد نفسها على الخروج من الحالة المزرية التي تحيط بها.. ولكن مثل هذه الهيئات بمرور الوقت تحولت إلى بؤرٍ بيروقراطية يمسك زمامها جيش من الموظفين البيروقراطيين الذين ينتمي أكثرهم إلى المجتمعات المتخلفة تتولى هي التخطيط والصرف في خمول وتسيب ومحسوبية وذمم لا تعول عليها. وهنا أصبح النفع وراء المساعدات المقدمة من هذه المؤسسات الدولية إلى مستحقيها غير ذي تأثير ولا نتائج إيجابية ترجى من ورائها.وجاء مشروع الشيخ محمد بن راشد، مشروع دبي العطاء، لينشأ على أسس أكثر فاعلية، ويتجنب بيروقراطية الهيئات الدولية، وذلك بتأسيس فريق عمل مستقل يتعاون مع الهيئات الدولية المختصة، ولكن في الحدود التي تجعلها تتحرك بحرية واستقلالية ضمن تخطيط واع يعرف فريق العمل المناط به هذه المسؤولية أين يبدأ وأين ينتهي... ولكي تتجلى إنسانية وحضارية هذا المشروع، فقد أوكل الشيخ محمد إلى أبنائه وكريماته أن يتولوا هذا المشروع بالرعاية، إيماناً منه بأن المشروع يمهد لأبنائه اكتساب التجارب والخبرات في مجال الاحتكاك بالهيئات والمنظمات الدولية والتدريب على المبادرة لتقديم العون للمحتاج ورفع الحيف الاجتماعي عن المجتمعات التي تعاني من شرور الآفات الاجتماعية.. ولعمري فإن هذه المبادرة، مبادرة تحميل المسؤولية للأبناء لكي يساهموا في أمور الخير ويتعودوا على فعل ما فيه منفعة للناس، هي من جلائل الأعمال ومن أكثرها رقياً وحضارة.كما أن هذا المشروع نفسه المتسم بأكبر درجة من المدنية، وهو بناء دور العلم ومحاربة الجهل بنشر المعرفة، لهو من أكبر وأهم المشاريع التي بدأت بها الألفية الثانية استكمال عقدها الأول من قرنها الأول، وما من شك أن التاريخ الحضاري سيضع اسم الإمارات وشعب وقيادة الإمارات في قائمة البلدان والشعوب التي وضعت بمثل هذه الأعمال الجليلة لبنة في صرح التمدين البشري.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"