الصين الشعبية تستعرض قوتها

04:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

استعراض القوة الصيني يأتي في وقت تتضاعف فيه الاحتكاكات التجارية والتكنولوجية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة
في الأول من الشهر الجاري، احتفلت الصين بالذكرى السبعين لإعلان الجمهورية الشعبية على يد ماوتسي تونج، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، من عام ١٩٤٩. وخلال عرض عسكري مهيب تم الكشف عن امتلاك بكين أسلحة جديدة فائقة التطور من قاذفات، وصواريخ باليستية، وطائرات من دون طيار فائقة السرعة لا تكشفها الرادارات. وقد تعمدت القيادة الصينية الكشف،للمرة الأولى، عن امتلاكها صواريخ باليستية عابرة للقارات تحمل رؤوساً نووية بعيدة المدى قادرة على إصابة أي هدف في الولايات المتحدة. كما تضمن العرض نسخة جديدة من القاذفات الاستراتيجية الصينية، و أسلحة تقليدية مثل صواريخ كروز أسرع من الصوت، وغيرها.
هذا العرض العسكري أظهر سعياً صينياً جدياً لردم الهوة الواسعة مع الولايات المتحدة في مجال القوة العسكرية. وفي تقرير نشره الكونجرس الأمريكي في أواسط سبتمبر/ أيلول الماضي، عبر عن قلقه من أن تتقدم الصين على الولايات المتحدة في مجال الطائرات فوق-الصوتية.
ومن الواضح أن بكين أرادت الكشف عن المستوى الذي وصلت إليه في عملية تحديث جيشها، والتي أطلقها زعيمها شي جيبينج، سعياً وراء بلوغ «المستوى العالمي» بحلول العام ٢٠٤٩، أي مئوية جمهورية الصين الشعبية، كما قال. لقد نظم شي «استعراض قوة» مؤكداً «استفاقة الصين»، وتمركز السلطة المطلقة فيها في يد رجل واحد مدى الحياة، للمرة الأولى منذ ماوتسي تونج. لقد أعلن هذا «الإمبراطور» المتربع على رأس «إمبراطورية الوسط» أن«الصين الاشتراكية تقف اليوم بفخر واعتزاز في شرق العالم. ما من قوة في العالم يمكن لها التعرض لموقع وطننا الأم، أو منع الشعب الصيني من السير إلى الأمام».
استعراض القوة الصيني هذا يأتي في وقت تتضاعف فيه الاحتكاكات التجارية والتكنولوجية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، من التعرفات الجمركية إلى شركة «هواوي»، مروراً بالسيطرة على بحر الصين الجنوبي، كما يأمل الصينيون ردع الأمريكيين عن التدخل في تايوان. لكن الخبراء العارفين بالشأن الصيني يعتقدون أنه وإن حققت «الصناعة العسكرية الصينية تقدماً واضحاً، إلا أنه لا يزال أمام الصين طريق طويل قبل أن تصبح قوة تكنولوجية تناهز الولايات المتحدة»، كما يقول جيمس شار، الأستاذ في جامعة نانيانج في سنغافورة، الذي يضيف:«في ما يتخطى العرض العسكري للأسلحة لا نعرف حقيقة ما هي القدرة الفعلية لهذه الأسلحة على أرض الواقع».
في العام ٢٠٠٢ وصل هوجينتاو الى السلطة، فوضع خطة لتطوير الريف الذي كان متخلفاً عن المدن، وفي عهده تخطت نسبة النمو ٩%، وعندما ضربت أزمة الفقاعة العقارية الأمريكية الاقتصاد العالمي برمته، لم تصب الصين بشظاياها، رغم أن النمو انخفض من ١٢% في العام ٢٠٠٧ إلى ٨% في العام ٢٠٠٨ قبل أن يستعيد نسبة ١٢% في العام ٢٠١٢ حيث أصبحت الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم، خلف الولايات المتحدة، وأمام اليابان.
وفي ١٥ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٢ انتخب شي جيبينج زعيماً للدولة والحزب والجيش، فقام بخطوة كبيرة على طريق الإصلاحات على الطريقة الصينية، وبات «ماو الجديد»، لاسيما عندما أدخل اسمه وعقيدته في ميثاق الحزب الشيوعي. هذه العقيدة تدور حول محاور عدة: تأكيد الوجود الصيني في الساحة الدولية، مكافحة الفساد، السلطة المطلقة للحزب الشيوعي والاهتمام بالمسائل البيئية. كما أنعش شي «الحلم الصيني» (على طريقة الحلم الأمريكي)، داعياً الصينيين إلى «استعادة أمجاد الماضي الصيني»، وأن يكونوا «فخورين وسعداء». هذه الرغبة في العظمة بدت واضحة من خلال إعلانه، في العام ٢٠١٥ عن «طريق الحرير الجديد».
المفارقة أن استعراض العظمة في الذكرى السبعين يجري في وقت تعيش الصين إحدى أخطر أزماتها وهي هونج كونج التي تعيش منذ نحو الستة أشهر غلياناً شعبياً، يتمثل في تظاهرات يومية تطالب بالمزيد من الديمقراطية. لكن الانتقادات الموجهة للنظام الصيني المتهم بعدم احترام حقوق الإنسان والحريات لا تردعه عن الاستمرار في السياسات نفسها منذ احتجاجات تيان انمين، في العام ١٩٨٩، التي تسببت للصين بمقاطعة واشنطن والغرب لها. هذه المقاطعة لم تستمر طويلاً، ولم يكن لها تأثير يذكر، فالمصالح تعلو على المبادئ. والرئيس ترامب المنهمك في حربه التجارية مع الصين، لا تهمه انتهاكات حقوق الإنسان في هونج كونج، ولا في غيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"