الصين مجدداًهي المشكلة

02:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
أيمن علي

بعد أسابيع قليلة من الاستقرار، نتيجة الإجراءات الحكومية، عادت البورصة الصينية للهبوط هذا الأسبوع بشكل يذكر ببداية الانهيار منتصف يونيو/حزيران حين فقدت أسعار الأسهم الصينية أكثر من 30 في المئة في أسابيع قليلة بعد عام ارتفعت فيه الأسعار بنسبة 150 في المئة. وبدأت وسائل الإعلام الاقتصادية وحتى العامة الرئيسية في العالم تطلق العناوين المخيفة عن الاقتصاد الصيني واحتمالات الأزمة العالمية الجديدة التي يمكن أن تكون الصين شرارتها الأولى. وبدأت التحليلات تتحدث عن «متى ستصل العدوى لأمريكا؟»، في إشارة لتأثر السوق الأمريكية بهبوط البورصة الصينية ومدى تأثير ما يجري في الصين على القرار المتوقع من الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي برفع سعر الفائدة.

المشكلة، كما أشرنا في هذه الصحيفة من قبل، ليست في البورصة الصينية وإن كانت مؤشراً على قدرة السلطات الصينية على مواجهة تصحيح كبير محتمل في الاقتصاد كله. إلا أن العوامل النفسية تطغى دوماً ويصعب استبعاد اهتمام العالم بوضع سوق الأسهم في ثاني أكبر اقتصاد عالمي. حتى المقارنة مع الأزمة السابقة واردة أيضاً، فالقلق من انهيار أسعار الأسهم الصينية يثير مخاوف أزمة ديون، وقد كانت أزمة ديون قطاع الرهن العقاري الأمريكي في 2008 شرارة الأزمة المالية العالمية 2009. وبالطبع، يؤثر انخفاض أسعار الأسهم الصينية على أسعار الأسهم الأمريكية (وغيرها من الأسواق الرئيسية في العالم) مع انكشاف عدد كبير من الشركات العالمية الكبرى على السوق الصينية. فعلى سبيل المثال، تصل نسبة العائدات التي مصدرها خارج أمريكا للشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد أند بورز بوول ستريت إلى 40 في المئة.
أما الاقتصاد الأمريكي كله فربما يتضرر من مشاكل الاقتصاد الصيني بشكل عام لكن ليس بدرجة حدة تأثر وول ستريت. فالعامل الحاسم هنا هو التجارة، بمعنى أن تباطؤ النمو الصيني سيعني تراجع حجم التجارة بين البلدين ومن ثم تراجع عوائد التجارة الأمريكية مع الصين. لكن التجارة الخارجية لا تشكل أكثر من 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. بينما يشكل الإنفاق المحلي نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، ولا يتصور أن يؤثر ما يجري في السوق الصينية على إنفاق المستهلكين الأمريكيين إلا في سياق أزمة عالمية تعني ركوداً اقتصادياً عاماً.
هذا الخطر الأخير هو ما يعيد الصين للواجهة مجدداً، وهنا يدقق العالم في مؤشرات كثيرة للاقتصاد الكلي الصيني من تراجع الناتج الصناعي إلى سلبية مؤشر مناخ الأعمال حتى أرقام النمو المتوقعة. وإذا كانت الحكومة الصينية تستهدف نمواً لا يزيد عن 7 في المئة (بعد سنوات من النمو السريع بنسب أكبر) فإن المخاوف الآن هي من نمو بنسبة أقل هذا العام. ومع أن ذلك قد يبدو متوقعاً كعملية تصحيح لتفريغ الاقتصاد من أي فقاعات غليان إلا أن هشاشة تعافي الاقتصاد العالمي ما بعد الأزمة المالية قبل نحو ست سنوات واعتماد اقتصاد العالم كله على سرعة نمو وتوسع الاقتصاد الصيني ومعه عدد قليل من الاقتصادات الصاعدة يعيق ذلك.
تعد مشكلة البورصة الصينية نموذجاً لقدرة السلطات الصينية على مواجهة احتمالات أزمة اقتصادية أوسع، وهناك مخاوف من أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بالتدخل لوقف الانهيار الذي بدأ في النصف الثاني من يونيو تزيد من مشاكل الدين في البلاد ما يعني أن سحب الدعم الحكومي للسوق قد يؤدي إلى أزمة يصعب التحكم فيها. وتلك التي يمكن أن تكون شرارة أزمة عالمية، يتوقع البعض أن تكون أسوأ من سابقتها وتؤدي إلى كساد طويل الأمد وليس فقط ركود يمكن الانتعاش منه. ناهيك عن أن قدرة الحكومات في الاقتصادات الكبرى على التدخل لمعالجة آثار أي أزمة جديدة ليست كبيرة، بعدما استنفدت تلك الحكومات جهدها الأكبر في معالجة الأزمة المالية السابقة دون أن يؤدي ذلك إلى نمو قوي يعيد عجلة الاقتصاد العالمي للدوران الطبيعي حتى.
صحيح أن لدى الصين ما يصل إلى 4 تريليونات دولار من الفوائض والاحتياطيات النقدية التي تمكنها من الضخ في الاقتصاد في حال حدوث أزمة، إلا أن هناك عوامل هيكلية في السياسات الاقتصادية للبلاد قد تجعل ضخ الأموال غير كاف لوقف التدهور. فهناك أزمة عقارية حقيقية مع غليان السوق في السنوات الأخيرة نتيجة انتقال أعداد كبيرة من الصينيين من الريف إلى الحضر سعياً وراء فرص اقتصادية أفضل. ثم هناك أزمة تحت السطح في القطاع المصرفي، يغطيها أن أغلب المصارف مملوكة للدولة لكن آفة الديون الرديئة والمعدومة تتجاوز مسألة تعويضها من قبل الحكومة. ذلك أن الثقة المصرفية والإقراض لتمويل توسع (قد يبدو مفتعلاً في بعض جوانبه) يمكن أن تتآكل في حال إصابة العلة الاقتصاد ككل بشكل أوسع من البورصة.
تظل الصين إذاً لعدة أسابيع محط أنظار العالم، وتزداد التحليلات والتوقعات بشأن وضع اقتصادها ومن ثم التوقعات للاقتصاد العالمي ككل. ورغم أن الأوساط المالية والاقتصادية العالمية ليست في حالة ذعر بعد، إلا أن الجو العام يسوده قلق مبرر. ويعتمد مسار الأحداث في الواقع على مدى قدرة القيادة الصينية على إدارة بوادر الأزمة، إذ إن النتيجة ستحسم مدى نجاح النموذج الصيني الذي يصفه البعض بأنه «تحرير منضبط» للاقتصاد يختلف عن قواعد السوق الرأسمالي الحر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"