العدالة والأخلاق (1 - 2)

01:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. لويس حبيقة

في عالمنا اليوم مشاكل كثيرة وكبرى تعقّد الحياة وتسيء إلى نوعيتها. بعض هذه المشاكل تقني ويتطلب حله استثمارات كبرى وتنظيماً مدروساً وقوانين عصرية. أكثرية المشاكل تحل أو تخف جذرياً إذا اعتمد المواطن أكثر على ضميره وأخلاقه وأحسن التصرف في المجتمع وفي علاقاته مع الناس والدولة. لماذا تسير الأمور بشكل أفضل مثلاً في الدول الاسكندنافية دون الحاجة إلى الفرض ولا يحدث ذلك مثلاً في العديد من دولنا العربية والناشئة؟ لماذا يكون الحكم أسهل في الدول الأوروبية عموما وأصعب في دولنا؟ الإنسان الأوروبي عموما يحترم القوانين التي تكون هي مدروسة أيضا وتطبق بجدية ويعرف واجباته بينما لا يحصل هذا في دول أخرى. معظم المشاكل تحل عبر حسن التصرف والأخلاق ولا ضرورة للفرض مما يسهل عمل الجميع.
العدالة متشعبة وتختصر بكافة العوامل والقواعد التي تؤدي إلى احترام الإنسان والحفاظ على حقوقه. العدالة ترتكز أيضا على المنطق والأخلاق. عدالة مبنية على أخطاء وظلم لا يمكن أن تحترم بل تفشل بسرعة ولا يحترمها أحد. يجب أن تبنى العدالة على مبادئ الأخلاق التي تمنع الاستغلال والابتزاز بل تفرض على الإنسان احترام حقوق الآخر، وإلا نفذ العقاب تبعا لدرجة الإهانة أو الجرم. الاستفادة من واقع الغير الصعب تحرم أخلاقيا وعمليا كما في القوانين التي تعاقب، وإلا حصلت شريعة الغاب. يقول مايكل ساندل إن العدالة تقضي كما الأخلاق بعدم الاستفادة المالية عن غير حق من التجارة والعلاقات المالية والاقتصادية عموما. تقضي العدالة بعدم الغش واعتبار السرقة «شطارة» وهذا معيب. تقضي العدالة بعدم غض النظر عن مخالفات القوانين عندما يكون من يقوم بها نافذا في السياسة والاقتصاد والمال. تقضي العدالة بعدم الظلم وتطبيق القوانين والأحكام بكل شفافية ودقة ودون تمييز أو تمييع.
تقضي العدالة باحترام الحريات في جميع الأمور بما فيها الأسواق ضمن القوانين طبعا. يقول الاقتصادي «توماس سويل» إن حرية الأسعار تحافظ على السلع والخدمات. ارتفاع الأسعار يؤدي إلى حفظ الكميات وعدم هدرها. يقول «جيف جاكوبي» إن الغضب الشعبي عندما يحصل لا يبرر تدخل السلطات العامة في الأسواق، إذ إن الأسعار المرتفعة تشجع المنتج على وضع سلعه النادرة في السوق وبالتالي لا تضر المجتمع بالضرورة. أما المستفيد من آلام الآخرين فلا بد من أن تعاقبه القوانين حتى لو لم يخالفها. فالظلم المقصود والمتعمد في المجتمعات العصرية غير مقبول، لذا وجدت الضمانات الاجتماعية التي تحمي الضعيف وليس الفقير فقط.
لا بد من تعريف العدالة بارتكازها على قواعد ثلاث هي رفع مستوى الرفاهية الاجتماعية التي تبقى هدف كل المجتمعات، احترام الحريات التي من دونها لا قيمة للإنسان وثم تعميم مبادئ الأخلاق واحترامها لأنها تؤسس لعلاقات فاضلة في المجتمع بين الناس كما بين السلطة والمواطن. قال الفيلسوف أرسطو إن العدالة هي إعطاء الإنسان كل ما يستحقه وبالتالي يجب تحديد أولاً الشروط المطلوبة لتحقيق ذلك واحترامها. يقول الفلاسفة المعاصرون إن المجتمع العادل هو الذي يسمح للمواطن بالعيش بالطريقة التي يرغب بها تبعا لثقافته ودينه وتقاليده وتاريخه. تكمن المشكلة هنا في تنظيم مجتمعات متنوعة وعدم خلق فوضى في العلاقات بين المجموعات في الداخل. مطلوب حكومات تحترم حقوق الجميع وتمنع استغلال الأكثرية للأقليات. الحريات مهمة جدا لكنها ليست أهم من التصرفات الفاضلة المبنية على الأخلاق.
ترتكز العدالة إذاً على الأخلاق وبالتالي تأمينها ليس بالأمر السهل. من هنا معاقبة تجارة الممنوعات مثلا مهمة جدا لتأثيرها المباشر على صحة وأخلاق الإنسان. أخطأت المجتمعات حتى اليوم بمعالجة عرض الممنوعات فقط وأهملت نسبيا مواضيع الطلب. تخفيض العرض قصراً رفع الأسعار وساهم في تحقيق أرباح هائلة للتجار على حساب صحة المستهلك. كان من الأفضل العمل أكثر على تخفيض الطلب عبر الحملات الإعلانية والصحية والغذائية بحيث تفقد هذه التجارات مغزاها المالي الكبير. فالتحرك من ناحية الطلب يوفر أيضا مع الوقت في الفاتورة الصحية أي تكلفة العلاج. المطلوب أيضا التنسيق بين الدول لأن تجارة الممنوعات تتحرك بسرعة عالميا ولها شركاء أمنيون ورسميون أحيانا. ضرب الطلب يؤذي العرض والعارضين وهو مفيد جدا لكنه صعب ويستهلك الموارد البشرية والمالية والمادية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"