العراق إلى أين؟

03:50 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبدالعزيز المقالح

لا خوف على العراق من التظاهرات الغاضبة التي تجتاح المدن منذ أسابيع، فهي علامة حيوية ووسيلة للتعبير عن مدى التراكمات المخزونة في الوجدان الشعبي منذ الاحتلال الأمريكي حتى الآن.
الخوف الحقيقي على العراق من التحرك الصامت الذي يطوي وراءه التآمر الشيطاني للتفكيك، وتحويل النزعات الطائفية إلى واقع انقسامي يدمر الوحدة الوطنية، ويمزق العراق الواحد إلى دويلات يكيد بعضها لبعض، ويستقوي بعضها بالأعداء. ويرى العقلاء أن الأجواء في الأوساط السياسية الطائفية لا تكاد تختلف عن تلك الأجواء التي كانت تلف العراق بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة، والتي حولت هذا القطر العربي إلى ساحة مفتوحة للفتنة تسرح في رحابها الفوضى وتمرح، لاسيما بعد تمزيق الجيش العراقي وتدمير الدولة ومؤسساتها، وإيصال العراق في أسابيع قليلة إلى ما قبل الدولة، وقبل النظام والقانون.
ولم يكن تمزيق الجيش العراقي وتفكيك كيان الدولة مطلباً أمريكياً فقط؛ بل كان في الأساس مطلباً «إسرائيلياً»، وخدمة عاجلة للكيان الذي أنشب أظفاره في أرض فلسطين.
وكما كان واضحاً قبل الغزو وبعده، فإن العراق لم يكن المستهدف الوحيد من المخطط المشترك أمريكياً و«إسرائيلياً»، فقد كانت الأقطار العربية كلها مستهدفة والقريب من الكيان الغاصب خاصة، ولم تكن بعض الأنظمة العربية التي أسهمت في الغزو، وأسهمت في التمكين له، تدرك أبعاد ذلك المخطط، قريب المدى وبعيد المدى، ولا تقدِّر أن احتلال العراق سيطلق شهوة الجوار الإقليمي ويفتح شهيته، ليكون له من الساحة المفككة نصيب ولو بعد حين.
والآن اتضحت الأمور بقدر كافٍ، وما حدث في ليبيا ويحدث في سوريا، حاول صانعو المخطط أن يُعدّوه لمصر وأقطار عربية أخرى، يشكل الدليل الذي لم يعد في إمكان القوى الضالعة إخفاؤه والتشكيك في حقيقته.
يضاف إلى ما سبق، أن العراق لم يكن سوى حقل التجارب الأول، سواء من حيث زرع الفوضى، أو من حيث إنعاش النعرات الطائفية التي كانت الأنظمة السابقة قد نجحت في تكسير أنيابها، ووضعت أسساً لنظام يحمي الوحدة الوطنية مهما شاب تلك الأنظمة من انحراف عن الحظ الديمقراطي. وسيكون من الغباء الذي ما بعده وما قبله غباء، أن تغفل الأنظمة العربية المعافاة تلك الحقائق، وأن تقع مجدداً في الشرك المنصوب لها، وألاَّ تدرك أن سلامتها تتوقف على سلامة بقية الأقطار العربية، والأخذ بيد الأجزاء الواقعة في الشرك للخلاص والعودة إلى الرحاب القومي، بعيداً عن الاستقواء بالآخرين والاعتماد على من أثبتت الأيام أنهم أشد طمعاً ورغبة في الهيمنة. ولعل المثل العربي القديم رغم ما يحمله من سوء، جدير بالاعتماد في ظروف كهذه، والمثل هو: «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب».
وعلينا وقد بدأ الحديث عن العراق، أن نتذكر جيداً أن هناك في أعماق هذا البلد العربي، قوة وجدانية عظيمة ترفض بقوة تركيع العراق لصالح أي احتلال، ولصالح أي حكم طائفي، وأن هذه القوة الوجدانية المتحركة هي صمّام أمان الوحدة الوطنية، وصمّام أمان الوحدة العربية، وأن كل محاولة لإطفاء نورها سواء كان ذلك من الداخل أو الخارج، محكوم عليها بالفشل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"