العلاقة بين التعليم والنتائج الاقتصادية

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي

يعتبر المستوى التعليمي للسكان بوجه عام عنصراً أساسياً في تحقيق النمو الاقتصادي، وتؤكد الدراسات الاقتصادية على أهمية ثلاث قنوات رئيسية يسهم التعليم من خلالها في حفز النمو الاقتصادي: فالتعليم يزيد من إنتاجية القوى العاملة، مما يرفع مستوى الناتج. والتعليم يمكن من الابتكار التكنولوجي الذي يعزز النمو الاقتصادي من خلال تحسين المدخلات وتعزيز العمليات ورفع مستوى المنتجات والتعليم يسهل انتقال المعرفة واعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة، الأمر الذي يعزز بدوره النمو الاقتصادي
والمشكلة هنا، أن البحوث التجريبية عن العلاقة بين التعليم والتنمية لم تصل إلى نتائج قاطعة بعد، ويرجع الخبراء في الاقتصاد ذلك إلى أنه بسبب عدم قياس التعليم على نحو سليم؛ حيث جرت العادة عند إجراء البحوث التي تتناول العلاقة التجريبية بين التعليم والنتائج الاقتصادية على استخدام مقاييس أساسها هو متوسط عدد سنوات الدراسة لعموم السكان، فعلى سبيل المثال وضعت دراسة حديثة مقاييس للمستوى التعليمي للسكان البالغين في 146 بلداً على مدى فترات فاصلة كل خمس سنوات من 1950 حتى 2010 مقسمة حسب نوع الجنس والفئة العمرية.
وخلصت الدراسة إلى وجود فروق كبيرة في المستوى التعليمي لعموم السكان بين البلدان، وألى أن عموم السكان في البلدان الغنية يلتحقون بالتعليم على مدى أحد عشر عاماً في المتوسط، مقارنة بسبعة أعوام هي متوسط الالتحاق بالتعليم في البلدان الأفقر. ولذا ظلت تلك المقاييس موضع انتقاد؛ لأنها لا ترصد إلا عدد سنوات الدراسة دون النظر إلى جودة التعليم. وبينت بعض الدراسات أنه عند فحص عملية التعلم (مقيسة بالمهارات المعرفية)، أن هناك علاقة ارتباط أقوى بكثير بين التعليم والنمو الاقتصادي. وتقوم الدولة في كل البلدان تقريباً بدور رئيسي في اتخاذ القرارات التي تؤثر في النمو الاقتصادي. وقدرة الدولة على إدارة الحكم بذكاء وصدق - أي قدرتها الاستيعابية كما يسميها علماء الاقتصاد - أمر بالغ الأهمية في تحقيق التنمية. وتكتسب فاعلية الحكومة أهمية جوهرية في تحقيق التنمية الاقتصادية.
والثابت أن سرعة التغير التكنولوجي، والإصلاحات الاقتصادية، والزيادة السريعة في المعرفة، أدت إلى خلق نوعين من الأولويات الرئيسية بالنسبة للتعليم: إذ ينبغي له أن يلبي الطلب المتزايد للاقتصاد على العاملين القابلين للتكيف، والذين يكون بإمكانهم اكتساب المهارات الجديدة بسهولة، كما ينبغي له أن يدعم التوسع المستمر في المعرفة.
والتعليم استثمار اقتصادي سليم. فهو بالنسبة للأفراد والعائلات يزيد الدخل، ويحسّن الصحة، ويقلل من معدلات الخصوبة. وقد بينت دراسات عديدة أن العوائد النقدية للاستثمار في التعليم تزيد كثيراً على ال10% التي تعتبر المقياس المعياري الذي يستخدم عادة للإشارة إلى تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال. وعوائد الاستثمار في التعليم الابتدائي هي الأعلى.
إن الاستثمار في التعليم مكمل للاستثمار في رأس المال المادي، والمنافع التي تتحقق منهما تصل إلى أقصاها عندما تكون سياسة الاقتصاد الكلي سليمة والاستثمار في التعليم يحدث عبر عملية تمتد عبر الأجيال تؤدي إلى الإقلال من الفقر، لأن من المرجح أن يقوم الأشخاص الذين تلقوا تعليماً بتوفير التعليم لأبنائهم.
وكان الاستثمار الضخم في التعليم الابتدائي والإعدادي - والذي يكمله نمط من النمو يوجه العمالة إلى الاستخدامات الإنتاجية - أحد العناصر الرئيسية، التي حققت «معجزة» التنمية في شرق آسيا. وقد أدركت بلدان أخرى، هذه الحقيقة مؤخراً، وبدأت في توسيع وإصلاح نظم التعليم الأساسي بها بصورة شاملة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"