الغرب والتكنولوجيا الصينية

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يشكل التطور الصناعي والتكنولوجي للصين تحدياً كبيراً وغير مسبوق للغرب، لاسيما مع بداية الألفية الجديدة؛ حيث بدأت شركات التقنية الصينية تتنافس على المراتب الأولى مع شركات غربية عريقة، واحتلت شركة «هواوي» المرتبة الثانية في شهر أغسطس/آب من سنة 2018 على مستوى مبيعات الهواتف الذكية، متفوقة بذلك لأول مرة على شركة «أبل» الأمريكية، وقد تصدرت مرة أخرى أخبار هذه الشركة الصينية الرائدة في مجال تكنولوجيات الاتصالات عناوين وسائل الإعلام الغربية مع بداية شهر مايو/أيار الجاري؛ بعد قيام تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية بإقالة وزير الدفاع على خلفية تسريب معلومات حساسة، تتعلق باجتماع مجلس الأمن القومي البريطاني، الذي ناقش إشراك شركة «هواوي» الصينية في شبكة الجيل الخامس للاتصالات.
بيد أنه وبالرغم من تأكيد مصادر بريطانية أن شركة «هواوي» ستشارك فقط في بناء عناصر وصفتها بأنها غير أساسية من منظومة شبكة الجيل الخامس، فإن إصرار لندن على تجاهل التحذيرات الأمريكية، المتعلقة بعدم التعامل مع شركة «هواوي» الصينية المتهمة من قبل واشنطن بالتجسس لمصلحة القيادة السياسية في بكين، يشير إلى أن لندن لا تريد أن تضع كل بيضها في سلة الحليف الأمريكي، وترفض أن تسلم رقبتها بالكامل لشركات التقنية الأمريكية، التي ليست متهمة فقط بالتعامل مع السلطات الأمريكية؛ بل إن تورطها بالتجسس لمصلحتها جرى التثبت منه في عدة مناسبات.
ويثبت هذا الموقف البريطاني أن أوروبا باتت تشكل الآن الحلقة الأضعف في الصراع الدائر بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، وهي الملاحظة نفسها التي أكّدها جاك أتالي؛ عندما قال: إن أوروبا فقدت الحماية الأمريكية، وأصبحت تواجه خطراً حقيقياً، مصدره أمريكا وروسيا والصين.
كما تشير الحرب التي تدور رحاها الآن حول تقنية شبكة الجيل الخامس بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من ناحية والصين من ناحية أخرى، إضافة إلى التهويل الذي تقوم به واشنطن بشأن الأخطار المفترضة لشركة «هواوي» على أمنها القومي وعلى أمن حلفائها، إلى أن القيادة الأمريكية تشعر بقلق بالغ من إمكانية تفوق الصين عليها في مجال تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي من شأنه أن يهدّد زعامتها ومصالحها الحيوية خلال السنوات المقبلة.
وتؤكد فرنسا وألمانيا من جهتهما على موقفهما الذي يدعو السلطات الصينية وشركاتها التقنية والتجارية إلى التعامل مع أوروبا كوحدة متكاملة، والابتعاد عن محاولة الانفراد بكل دولة على حدة، كما حدث مؤخراً مع اليونان وإيطاليا اللتين عبّرتا عن استعدادهما للانخراط في مشروع طريق الحرير الصيني، الذي تعمل من خلاله بكين على ربط أكبر عدد ممكن من دول العالم بصناعتها الوطنية، وفي مقدمتها الصناعات التقنية.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، هي أن الدول الغربية لا تخشى من شركات التكنولوجيا الصينية؛ لأسباب تتعلق بأمنها الداخلي فقط، فالتحفظات الغربية المسجّلة بشأن هذا الموضوع، تتسم بالكثير من المبالغة، وتهدف في المقام الأول إلى كبح جماح الوثبة الصينية في مجالي تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بهيمنة الدول الغربية على أسواق دول العالم الثالث؛ حيث عبّرت فرنسا على سبيل المثال عن قلقها إزاء الاتفاقية التي أبرمتها شركة البترول الوطنية الجزائرية (سونطراك) مع عملاق الاتصالات الصيني «هواوي»، كما أفصحت في السياق نفسه واشنطن عن مخاوفها بشأن النفوذ الصيني المتزايد في إفريقيا؛ ويمكن تفسير مثل هذه المخاوف من منطلق أن الدول الغربية تخشى من أن تمكّن التكنولوجيا الصينية الدول السائرة في طريق النمو من التخلص من عمليات الاختراق التي تمارسها الدول الغربية على منظومتها الأمنية.
ونستطيع أن نضيف، أن شركة «هواوي» الصينية نجحت خلال سنة 2017 في تقديم العدد الأكبر من براءات الاختراع في أوروبا، ونافست بشكل جدي شركات «وادي السيليكون» في الولايات المتحدة، كما استثمرت في السنة نفسها 12 مليار يورو على مستوى البنية التحتية المتعلقة بالاتصالات، وتعمل الآن مع شركات صناعة السيارات في أوروبا كشركتي بوجو - ستروين الفرنسية و«أودي» الألمانية في مجال الذكاء الاصطناعي، على تطوير سيارات ذاتية القيادة ومتصلة بالشبكة المعلوماتية، وتزامناً مع ذلك فقد قفزت الاستثمارات الصينية المباشرة في أوروبا من مليار دولار سنة 2008 إلى 35 مليار دولار سنة 2016.
وعليه فإن الغرب وباستثناء الولايات المتحدة، ورغم قلقه المتزايد بشأن التطور الهائل للصين، فإنه لا يملك في واقع الأمر خياراً آخر غير التعامل بواقعية مع القوة التكنولوجية والصناعية للتنين الصيني؛ من أجل المحافظة على مصالحه الحيوية في العالم؛ لمواجهة قوى صاعدة أخرى؛ مثل: الهند وروسيا والبرازيل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"