الفيروس كسلاح قديم جديد

03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

منذ القدم تعرضت البشرية للأوبئة الفتاكة التي حصدت ملايين الأرواح آخرها الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918التي أودت بحياة عشرات الملايين في أوروبا، وانتشرت في قارات أخرى. ومع ظهور كل وباء تنتشر نظرية المؤامرة، لأن كثيراً من الدول لديها مختبرات علمية للحرب البيولوجية، ما يعني احتمال تطوير جراثيم، وفيروسات فتاكة، وبالطبع تفرض الدول ستاراً من السرية المطلقة حول أبحاثها البيولوجية.
وكان الإنسان، منذ القدم، استخدم السموم كسلاح قتال في رؤوس الحراب، والرماح. وأول استخدام للأمراض في الحروب يعود إلى العصرين الإغريقي، فالروماني، حيث تم استخدام المنجنيق في الحروب لقصف القلاع بجرار ملأى بالأفاعي السامة، والعقارب، والنحل، وكذلك تلويث مصادر المياه بالسموم. وكان المغول أول من استخدم فيروسات المرض عندما انتشر الطاعون في جيش المغول، وهم يحاصرون بلدة أوكرانية، فصاروا يقذفون الجثث إلى داخل المدينة بالمنجنيق لنشر المرض.
ومنذ اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد، لاحظ سلمية السكان في جزر الهند الغربية، ولم يكونوا مسلحين، ولا يعرفون السيوف، كما لاحظ الذهب للزينة لديهم، فعبّر في يومياته عن رغبته في أن ينكب الإسبان ثلاث سنوات كاملة في حصاد ذهب العالم الجديد ليعود به إلى إسبانيا كي يتم جمع ما يمكن من قوة، وعتاد، لازمين لتحرير «أورشليم». بمعنى أن كولومبوس أبحر للغرب ليعود بثروة لاستئناف الحروب الصليبية. واستغرب أحد المطارنة، وهو برتولومي دي لاسكازاس، الذي شاهد وحشية الإسبان في إبادة السكان الأصليين، فقال «يزعمون أن الرب هو الذي أرسلهم لفتح هذه البلاد الآمنة المطمئنة، وأنه هو الذي وهبهم حق تدميرها، ونهب خيراتها.. إنهم لا يختلفون في ذلك عن أولئك الذين يقتلون، ويسرقون، ثم يقولون: مبارك هو الرب لقد صرنا أغنياء».. وهو المنطق نفسه الذي يستخدمه الصهاينة حالياً.
الإسبان، والإنجليز، أباحوا لأنفسهم إبادة السكان بالطاعون، والحصبة، والجدري، والسل، واستخدم الإنجليز أغطية المستشفيات البريطانية والأوروبية للمرضى المصابين بالطاعون، وغيره من الأمراض، ونقلوها إلى العالم الجديد، وصاروا يهدونها للهنود، الحمر لإبادتهم.
وقد درس الأمريكيون والبريطانيون في الحرب العالمية الثانية، خطة لوضع مرض الجمرة الخبيثة ضمن قنابل بوزن 200 كيلوجرام، لاستهداف قطعان المواشي في البلدان المعادية، ثم تتولى تلك القطعان مهمة نقل الوباء إلى البشر.
وفي عام 1952 اتهم عدد من الخبراء الدوليين الولايات المتحدة بأنها تستخدم أسلحة بيولوجية في الحرب ضد كوريا الشمالية، ثم في فيتنام. كذلك تكررت الاتهامات عام 1955 بأن الولايات المتحدة تنتج كميات ضخمة من بكتيريا التلريات، التي تصيب القوارض، ثم تنتقل منها للإنسان. ومنذ انتشار فيروس «كورونا» في الصين، برزت نظرية المؤامرة التي تزعم أن الفيروس الفتاك تم تطويره ونشره في الصين لتدمير الاقتصاد الصيني، ولم يثبت هذا الافتراض حتى الآن. لكن من الممكن أن تقوم عصابة ما بفعل ذلك، لأن العلوم والمختبرات متاحة لمن يريد إجراء اختبارات خطرة على البشرية. وكذلك هناك أسلحة بيولوجية في مختبرات كثير من الدول تتعمد إخفاء فيروسات المعامل. ففي أواخر سنة 1998 نشرت ال«صنداي تايمز» البريطانية، نبأ عن إجراء «إسرائيل» تجارب لإنتاج سلاح بيولوجي يصيب جينات العرق العربي، لكنها اكتشفت أن بعض اليهود لهم الجينات نفسها، فأوقفت الأبحاث. وقد أثار هذا النبأ، في حينه، تعليق بيل ريتشاردسون، النائب المساعد لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون البرامج البيولوجية والكيماوية العسكرية، حيث قال في حينه إن تطوير مثل هذا السلاح قضية معقدة، وتتجاوز مجرد إعداد السلاح إلى إيجاد طرق عسكرية تضمن إطلاق هذا السلاح بالشكل الفعال، إذ ليس كل الأسلحة الحيوية هي غازات يمكن إطلاقها بالصواريخ، كغاز الخردل، بل قد تكون مجرد مادة في إبر تحتاج لتقنية متقدمة حتى يمكن نشرها بين الجمهور المستهدف.
وأضاف ريتشاردسون أنه لا شك لديه في أن «إسرائيل» قد عملت على إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية منذ فترة طويلة، مضيفاً في تصريح من النادر أن يصدر عن مسؤول أمريكي «لا أعتقد أنه يمكنك أن تجد معلومات حول هذا الموضوع. يبدو أننا دائماً كانت لدينا معايير مزدوجة ومتناقضة في التعامل مع «إسرائيل» مقارنة بالتعامل مع التهديدات البيولوجية التي تصدر عن دول أخرى. لا شك في أن لديهم مثل هذه البرامج منذ سنوات، لكن جعل أي شخص يتحدث عن ذلك إعلامياً يبدو أمراً صعباً جدا».
كلام المسؤول الأمريكي آنذاك، يؤكد حقيقة أن الموقف الأمريكي في حينه هو السماح ل«إسرائيل» باختراع وتطوير أي سلاح من دون مساءلة دولية، كما هو الحال الآن، أي أنها بفضل الحماية الأمريكية تبقى فوق القانون الدولي والمعاهدات الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"