الفَخّار العربي والشماتة العبرية

أفق آخر
03:45 صباحا
قراءة دقيقتين

لو كان عدد من الكتّاب اليهود يعرفون القول المأثور في تاريخنا وهو الهروب من الرمضاء إلى النار، لاستعاضوا عن عناوينهم الطويلة التي تقول إن التغيير السياسي قد يأتي بمتطرفين يقلبون الموائد كلها .

الكاتب كلاينبورغ عَبّر عن هذا الموقف بقوله إذا ذهبت الكوليرا فسيأتي الطاعون .

وقال موشيه أرينز: إن الحرب في سوريا تدور بين طرفين شريرين، ولو كان هو أيضاً يعرف الأقوال والأمثال في لغتنا، لقال فَخّار يكسر بعضه، ما دامت الحصيلة هي لمصلحته بعد أن تتحول سوريا إلى أطلال .

إن القراءات العبرية لما يجري في العالم العربي بدءاً من تونس وليس انتهاء بمصر وسوريا، تنطلق من رؤى مسبقة مشحونة بدرجة عالية من الشماتة، وكأن العرب بدأوا يأكل بعضهم بعضاً ويأكلون أنفسهم أيضاً أحياء وموتى، بعد أن تبدلت الأولويات والأجندات، وأصبح الوقت بالنسبة إلى تل أبيب منحة مجانية .

إن قراءة بضعة تعليقات وقراءات عبرية عن المشاهد العربية التي تختلف في التفاصيل ويجمعها قاسم مشترك، تدفعنا إلى سؤال لا مجال للتخفيف من حدته أو تأجيله، هو باختصار: ما الذي صنعناه بأنفسنا؟ وهل ألحق الغزاة بنا ما ألحقناه بأوطاننا وأطفالنا وحتى آثارنا؟

قد يكونت تبديداً للوقت والجهد معاً التمني واللجوء إلى الخيال التاريخي كأن نتصور ما حدث خلال قرن على الأقل لو أنه لم يحدث، سواء كان حروباً عربية بينية أو احتراباً أهلياً أو نزاعات أيديولوجية، حولت ما كان أطيافاً تتعايش في قوس قزح واحد إلى طوائف يحارب بعضها بعضاً وهي لا تدرك بأنها جميعها مهزومة في خاتمة المطاف لأن الضحية هو وطن .

ما يقوله كتاب يهود عبر مختلف المنابر العبرية لا يبتعد كثيراً عن المثل العربي الشهير عن الفَخّار الذي يكسر بعضه .

فمن كان عدواً وجودياً وجذرياً تحول إلى متفرج على هذا السيرك المفتوح على مدار الساعة بالمجان، لكنه سيرك وحشي، أُسودُهُ ونموره وذئابه لم تُدجَّن، وهي تلتهم لحم الأطفال بدلاً من أن تُسلّيهم .

لكن مهما بلغ التشاؤم إزاء ما يجري وما سوف يفرزه في المدى المشهود، لا يحول دون قراءة مُضادة، تتعامل مع ظلال السطور وما بينها ليس في كُتُب أو جرائد أو شاشات بل في تضاريس الواقع الحي ذاته، وما يستشعره المراقب الآن هو قيامة من الرماد لكنها ليست وشيكة، وقد سبقنا بقرون ذلك الشاعر الذي رأى خلل الرماد وميض جمر، وأنذر لكن من لم يُصدقوه فدفعوا الثمن .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"