المحروسة 2020

04:54 صباحا
قراءة 5 دقائق

بعد أقل من عشر سنوات قادمة كيف ستكون الحالة المصرية؟ إن عام 2020 ليس بعيداً، فتسع سنوات ليست شيئاً في عمر الأمم والشعوب، فكيف سيكون الوطن بعدما يقرب من سبعين عاماً من ثورة 1952؟ وعقد كامل تقريباً من الثورة الشعبية لعام 2011؟ دعونا نفكر ونتوقع بل ونأمل ونحلم ونصوغ الملامح الأساسية للدولة المصرية بعد أقل من عشر سنوات:

* أولاً: يتجه النظام السياسي في مصر للأخذ بملامح الدولة البرلمانية بعد أن قويت الأحزاب السياسية وجرى بينها توافق عام على القواعد الحاكمة للحياة الحزبية الحقيقية، واتفقت كل الأطراف على حدود العلاقة بين السياسة والدين، وساعد على دعم الأحزاب السياسية بدء انحسار الأمية وتحسن مسار العملية التعليمية واهتمام الأحزاب بالتربية السياسية لأنها مدارس لتخريج الكوادر المهيأة للعمل العام، وهاهي مقدمات الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2021 توحي بدرجة معقولة من التوازن في عدد المقاعد بين الأحزاب المختلفة وانتهاء عصر طغيان الأغلبية الساحقة على الأقلية المقهورة، مع وقوف السلطة التنفيذية على الحياد الكامل بين القوى السياسية المختلفة .

* ثانياً: لقد تخلصت مصر من الحكم الفردي ومظاهر الفرعونية التي كانت تسيطر على الحياة السياسية على امتداد التاريخ المصري كله، فالرئيس يملك ولا يحكم، ورئيس الوزراء ممثل حزب الأغلبية أو الائتلاف الحاكم هو القوة التنفيذية الحقيقية في البلاد، وهو الأول سياسياً بينما رئيس الجمهورية هو الأول بروتوكولياً باعتباره حكماً بين السلطات، والواجهة الدستورية للبلاد دون أن تكون له صلاحيات تنفيذية أو تحكمه أهواء سياسية .

* ثالثاً: أصبح الوزراء سياسيين بالدرجة الأولى وفي كل وزارة وكيل دائم متخصص يدير دولاب العمل اليومي ويسير الأمور في وزارته بينما الوزير شخصية سياسية حزبية تضع الخطوط العريضة والسياسات العامة للقطاع الوزاري الذي يتولاه، ولقد حدثت طفرة هائلة في التعليم خصوصاً في مجالات التأهيل الفني شبه الجامعي البوليتيكنك لتخريج أصحاب الخبرة المدربة في المجالات المختلفة، والاكتفاء في التعليم الجامعي العالي بأصحاب المستويات الدراسية العالية، كما أصبح التعليم مجانياً للمتفوقين فقط لأنه سلعة خدمية تقدم لمن يستحقها أسوة بما يجري في معظم دول العالم، وليس في ذلك افتئات على العدالة الاجتماعية، إذ إن باب التفوق مفتوح وتكافؤ الفرص متاح .

* رابعاً: لقد دخلت مصر ميدان الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وأصبح لديها ثلاث محطات تخضع للإشراف العلمي بخبرات مصرية كاملة من علمائها الذين كانوا مشتتين بين الجامعات الأمريكية والكندية أو العمل في الوكالة الدولية في فيينا، إلى جانب ما جرى استخدامه في بعض الدول العربية، كما أن مصر تملك الآن عدة مراكز دولية للأبحاث في المجالات المختلفة خصوصاً أن البلاد قد حققت طفرات واسعة في مجال الصناعة وربطت بين إنتاجها الزراعي وتصنيعها الغذائي أيضاً، ودخلت مرحلة الاكتفاء الذاتي في الحبوب الغذائية وزادت صادراتها بشكل واضح في السنوات الأخيرة .

* خامساً: لقد توقف المصريون عن العدوان على الأراضي الزراعية وتوسعوا في استصلاح الأراضي المجاورة للدلتا والوادي وارتفعت غلة الفدان بفضل التقنيات الزراعية الحديثة والاستخدام الأمثل لمياه الري المحدودة، كما ارتفع معدل التدفق السياحي حيث تجاوز هذا العام 25 مليون سائح يتنقلون بين آثار مصر الفريدة وشواطئها الرائعة، ومنتجعاتها الجميلة، ولا سيما بعد أن تحول الساحل الشمالي إلى ريفييرا مصرية وفقاً لخطة متكاملة، كما أن تقدم الخدمات في مجال الطيران والفندقة ووسائل النقل قد أصبح يغري السائحين أكثر ويعطي انطباعاً إيجابياً عن السياحة في مصر، إضافة إلى أن الخطوات التي اتخذتها الدولة في تعمير سيناء ونزع الألغام من الصحراء الغربية قد أعطت بعداً جديداً لما نسميه ب سياحة الصحراء التي يقبل عليها الغربيون بمعدلات متزايدة، وكذلك فإن القرية المصرية قد تطورت بشكل ملحوظ مع ارتفاع نسبة التعليم واهتمام أبنائها من أصحاب القدرات المادية والعلمية بالتواصل معها حتى أصبحت وحدة إنتاجية سواء في الدلتا أو الوادي .

* سادساً: إن اتفاقية مياه النيل الأخيرة التي أنشأت منذ سنوات المنظمة الإقليمية لدول حوض مياه النهر، وكذلك البرامج التنموية المشتركة التي تقودها مصر بين دول الحوض، قد نجحت في تحقيق أقصى الاستفادة من مياه النهر، وأنهت تماماً الخلافات التي كانت تحدث حول حصص دول الحوض بسبب المشروعات والسدود التي كانت تقام في بعض الدول دون توافق مع جميع الأطراف الأخرى، فعلى الرغم من تقسيم السودان أكثر من مرة فإن حكومة الشمال فيه قد أصبحت أكثر قرباً من مصر وأقل انغماساً في مغامرات وصراعات وتوجهات لا مبرر لها، كما أن الدولة الليبية الديمقراطية على الجانب الآخر قد فتحت آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بشكل يدعو إلى الارتياح، خصوصاً بعد الإسهام الكبير للخبرة والعمالة المصريتين من خلال شركات الإعمار والبناء والتطوير بعد سقوط نظام القذافي منذ سنوات عدة .

* سابعاً: إن الصراع العربي الإسرائيلي قد بدأ يدخل مرحلة الرشد من الجانبين منذ أن قامت الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها في شرقي القدس، ورغم أن الصورة ليست وردية تماماً، فإن الدور الإقليمي لمصر قد ازدهر، وعلى الرغم من ضعف جامعة الدول العربية فإن الدبلوماسية المصرية قد نجحت في مزاحمة دور كل من إسرائيل وتركيا وإيران على الساحة، كما حققت نجاحات في دول القرن الإفريقي، وتوثقت علاقاتها بشكل ملحوظ مع دولة إثيوبيا بسبب الروابط التاريخية والدينية بين الدولتين، وكان من نتائج ذلك أن رأت كل من دول مجلس التعاون الخليجي ودول مجلس الاتحاد المغاربي اعتبار الشقيقة الكبرى مصر عضواً مراقباً في كل منهما بترشيح من المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية الليبية .

* ثامناً: لقد انتقلت العلاقات الأمريكية المصرية من مرحلة المعونة إلى مرحلة التجارة (From Aid To Trade) وأصبحت واشنطن تنظر إلى القاهرة باعتبارها العاصمة العربية الأولى والعاصمة الإفريقية النشطة والعاصمة الإسلامية المؤثرة، كما أن الاتحاد الأوروبي قد عزّز اتفاقية الشراكة مع مصر التي أصبح لها دور رائد بين دول حوض البحر المتوسط، بحيرة الحضارات، باعتبارها الدولة الكبرى على شاطئه الجنوبي، وقد انفتحت مصر على الساحة الآسيوية بشكل ملحوظ وتزايد التعاون بينها وبين الصين واليابان والهند خصوصاً بعد أن تحولت منطقة قناة السويس إلى منطقة جذب صناعي عالمي ومركز إنتاجي دولي يزخر بالمناطق الحرة للدول المختلفة، ولم تعد مجرد ممر مائي مثلما كان عليه حالها أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان .

* تاسعاً: لقد أصبح الأزهر الشريف وشيخه المنتخب، والكنيسة القبطية والبابا الوطني منارتين للإلهام الروحي في دولة وطنية عصرية لا تعرف التعصب ولا تسمح بالتحيز ولا تقبل التهميش، تؤمن بالتسامح وتحترم النسيج الوطني المشترك بعد أن فتحت جامعة الأزهر أبوابها للمصريين جميعاً بلا استثناء، وكأنما ظهر فينا أتاتورك عربي أو أردوغان مصري، لقد تغيرت الدنيا وابتسمت لمصر بعد طول شقاء!

. . هذه نقاط تسع أحلم بتحقيقها بعد تسع سنوات وأسأل الله ألا أكون واهماً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"