المستقبل العربي وعودة الأمل

04:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود حسونة

يشغل المستقبل بال الدارسين والمراكز البحثية، ويستحوذ العالم العربي على اهتمام قطاع عريض من دارسي المستقبل حول العالم، ومن يتابع الدراسات الصادرة عن مستقبل هذه الأمة يجد معظمها، تلقي بظلال قاتمة على مستقبل المنطقة ومصير الإنسان العربي.
من المؤكد أن نتائج هذه الدراسات مستقاة من واقع عربي مظلم، بعد أن ضربت عدداً من دولنا فتنة ما أسموه «الربيع العربي»، لتترك انهياراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أسفر عن حالات من التفسخ الأخلاقي والانهيار القيمي، والغضب الساطع، في مدن مختلفة عبر المساحة العربية من الماء إلى الماء.
وأمام هذا السيل الجارف من الأحداث والأخبار اليومية الصادمة ورؤى المحللين والدراسات البحثية المظلمة والتي قد تكون ظالمة، يطرح السؤال.. ألا من أمل في مستقبل هذه الأمة؟
الأمل موجود، بل وكبير، وهو غير آت من فراغ، فمن يتأمل الإجراءات التي تتخذها أكثر من دولة عربية، لتغيير أنماط التعليم وأساليب التلقين، واعتماد الطرق التي تعلم النشء التفكير والإبداع والابتكار، وإعادة النظر في المناهج التي حشونا بها عقول صغارنا لتفرز قنابل موقوتة رافضة لكل سلطة ونظام، ابتداء من سلطة الوالدين وحتى سلطة الدولة. هذه الإجراءات حال تحويلها من خطط على الورق إلى واقع في الفصول الدراسية ستفرز أجيالاً تتحمل مسؤولية إعادة هذه الأمة إلى الحياة واستعادتها لدورها الحضاري.
الأمل موجود وكبير بالإنجازات التي تحققت وتتحقق في أكثر من دولة عربية على طريق المستقبل، ويكفينا أن دولة مثل الإمارات، ليست فقط مصدراً للأمل بما تحققه وما تعلن عنه للمستقبل، ولكنها أصبحت صانعة للأمل في المحيط العربي، من خلال مبادراتها التي تسعى لاستعادة المفقود في روح هذه الأمة، ومنها على سبيل المثال، مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي تستهدف الإنسان أياً كان وطنه أو عرقه أودينه ومن دون أي تمييز، وتسعى لإعادة بث روح التحدي والإبداع والابتكار عند الشخصية العربية حتى تستعيد ذاتها وتحتل المكانة اللائقة بها وبتاريخها على الخريطة الإنسانية، وذلك من خلال نشر صناعة الأمل، ومكافحة الفقر والمرض ونشر المعرفة بتحديات تنمي العقل العربي مثل تحدي القراءة، وتحدي الترجمة.
بعد أيام ليست بالبعيدة، وتحديداً في 25 الجاري سيكون العالم على موعد جديد مع الأمل العربي، حيث ينطلق أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية حاملاً معه حلماً عربياً كبيراً بأن يكون لأمتنا مكان في نادي الفضاء، وأن تكون فاعلة في المستقبل ومتفاعلة مع علومه وأدواته وطموحات ومنجزات إنسانه، و25 سبتمبر سيكون أول تاريخ في سلسلة من المحطات الزمنية التي حددتها الإمارات في إطار خطة وضعتها بحجم الحلم الإماراتي والعربي لغزو عالم الفضاء واستكشافه والفعل والإنجاز على الكواكب الأخرى، حيث سيكون عام 2021 موعداً لإطلاق مسبار الأمل المصنوع والمدار بأيد وعقول إماراتية 100%، أما الإنجاز الأكبر فسوف يكون بمناسبة الاحتفال بمئوية الإمارات في العام 2071 حيث سيكون الموعد مع إقامة أول مستعمرة إماراتية على المريخ. وهي خطط تبعث الأمل في غد أفضل.
من يخطط ويفكر ويحلم لما بعد أكثر من 50 عاماً من اليوم، لابد أن يكون له مكان بين الكبار على خريطة العالم، ومن الطبيعي أن ينشر بيننا التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل لأجيالنا المقبلة.
ليست الإمارات وحدها التي تخطط للمستقبل، ولكن تسير على طريق الغد شقيقات أخريات لها، وكل منها يرى المستقبل بعيونه وحسب رؤاه، وفي النهاية يلتقي الجميع على هدف واحد هو تعبيد الطريق للابن والحفيد.
من النماذج العربية التي بدأت أولى خطوات العبور إلى المستقبل بنفض غبار الماضي، السعودية التي اتخذت عدة إجراءات لفك قيود أبنائها وبناتها وتحرير عقولهم للانطلاق إلى عالم الغد، وذلك بالتوازي مع خطة تنموية طموحة للتنافس، ولعل مشروع نيوم الواعد والعابر للحدود والرابط بين المملكة ومصر والأردن، نموذج يجسد طموح وحلم السعودية في غد أفضل لأبنائها، ومبعث للأمل في مستقبل الأمة.
وبعد أن تجاوزت مصر عثرات «الربيع العربي» وجدت أن الطريق للمستقبل لا بد أن يمر بتجاوز مشاكل الحاضر، فأطلقت مجموعة من المشروعات الكبرى التي تتيح فرص عمل لأبنائها وتضع حلولاً لمشاكل الدولة المصرية، وذلك بعد أن حررت عملتها واقتصادها حتى يمكنه المنافسة عالمياً، ولأول مرة تطلق دولة حركة تعمير تغطي معظم أراضيها ببناء 14 مدينة كبرى في وقت واحد، بينها عاصمة جديدة على أحدث الطرز العالمية، بجانب مشروعات أخرى عديدة للمستقبل.
هذه مجرد نماذج وإنجازات لما يمكن أن يبعث الأمل في المستقبل، تؤكد أن أمتنا تستطيع أن تستعيد مجدها، وتحتل المكانة التي تليق بأبنائها وتاريخهم، ولعل العائق الوحيد هو إصرار بعض العناصر العربية على الغرق في الماضي.
ليس مطلوباً منا أن نتخلى عن ماضينا ولكن أيضاً لا ينبغي أن نتقوقع داخله، ونغلق كل نوافذ الإبداع والابتكار ونقتل آمال الأجيال، ونضع بيننا وبين المستقبل وعلومه حواجز تضعنا في ذيل أمم الأرض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"