المفاعيل السلبية أوروبياً للاستفتاء البريطاني

03:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

بدأت المفاعيل السلبية تظهر، في بلدان الاتحاد الأوروبي، على الاتفاق الذي تم توقيعه بين المجلس الأوروبي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في فبراير/شباط الماضي، والذي بموجبه تحصل لندن على امتيازات واستِثناءات وإعفاءات من التزامات، في مقابل بقائها في الاتحاد الأوروبي. وكان كاميرون قد فرض على نظرائه الأوروبيين مثل هذا الاتفاق في مقابل الوعد بقيادة حملة لإقناع مؤيديه بالتصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد، وذلك في الاستفتاء حول ما يسمونه «البريكست» (الخروج من هذا الاتحاد) المزمع إجراؤه، في المملكة المتحدة، في ٢٣ يونيو/حزيران المقبل.
من هذه المفاعيل السلبية ما جاءت به مؤخراً استطلاعات للرأي أجرتها في ست دول أوروبية (هي فرنسا وألمانيا والسويد وإسبانيا وإيرلندا وبولونيا)، جامعة أدنبرة بالتعاون مع معهد ديبارت الألماني، والتي بينت عن عدم موافقة مواطني الدول الأوروبية الأخرى على منح بريطانيا امتيازات في اتحاد بات يسير بسرعات مختلفة، وعن رغبة نسبة لا بأس بها منهم في إجراء استفتاءات في بلادهم على غرار الاستفتاء البريطاني.
في فرنسا ٥٣٪ من المستطلعين يريدون إجراء استفتاء حول بقاء بلادهم أو خروجها من الاتحاد ويعتبرون أن خروج بريطانيا «لا يشكل كارثة»، بل أن ٤٤٪ منهم يعتبرون بأن عليها الخروج وليس البقاء. هذا الرأي يقول به فقط ٢٧٪ من الألمان و١٩٪ من الإسبان و٢٠٪ من البولونيين و٢١٪ من الإيرلنديين. وفقط ٢٧٪ من الفرنسيين والسويديين، ويعتبرون أن خروج بريطانيا سيكون مفيداً لاقتصادها في مقابل ٥٦٪ من الألمان يعتبرون بأنه سيكون مضراً لها. وعلى العموم يعتبر ٣٣٪ من الفرنسيين بأن «البريكست» سيضر ببريطانيا، رغم ذلك فإنهم يؤيدونه، وذلك في مقابل فقط ٦٪ من البولونيين و٢٢٪ من الألمان.
وعلى الرغم من كل شيء فإن ثمة أغلبية في الدول الأوروبية الست تحبذ بقاء بريطانيا في الاتحاد مع تفاوت واضح في النسب بين بلد وآخر، إذ تبلغ نسبة الفرنسيين ٥٧٪ فقط في حين تصل هذه النسبة إلى ٨٠٪ في بولونيا و٧٣٪ في ألمانيا على سبيل المثال.
هل أن وجود بريطانيا في الاتحاد هو أمر جيد أو سيئ لهذه الأخيرة(للاتحاد الأوروبي) تتوزع الآراء: فالفرنسيون والألمان مثلاً يعتبرونه جيداً لبريطانيا نفسها قبل أن يكون كذلك للاتحاد.٤٠٪ من الفرنسيين و٤٨٪ من الألمان و٦٨٪ من الإيرلنديين( هؤلاء يرتبطون تجارياً بلندن) يعتبرون ذلك جيداً للاتحاد. وأكثر من ثلثي الفرنسيين والألمان لا يشعرون بأي تأثير للبريكست على حياتهم الشخصية.
لكن يبدو أنه مهما اختلفت وتنوعت الآراء يتفق الأوروبيون على نقطتين أساسيتين، الأولى أنه ينبغي التوقف عن إعطاء امتيازات وإعفاءات واستثناءات لهذا البلد (وتحديداً لبريطانيا)أو ذاك في مقابل بقائه في الاتحاد الأوروبي، والثاني بألا يُسمح لبريطانيا بالاستفادة من حسنات البقاء في السوق الأوروبي المشترك إذا قررت الخروج من الاتحاد.
وعندما يُسأَل المواطنون الأوروبيون عن الاتفاق الذي تم بين لندن والمجلس الأوروبي في فبراير الماضي فإن أغلبية ساحقة منهم تؤيد أن تحصل بلادهم على مثله وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل. هناك نسبة لا بأس بها من الفرنسيين والألمان، تبلغ أكثر من ربع المستطلعين تقريباً، تؤيد عدم إعطاء تقديمات اجتماعية للأوروبيين المقيمين في بلادهم ووقف العمل بمبدأ حرية تنقل العمال الأوروبيين في الاتحاد، وهذا مبدأ مؤسس للاتحاد الأوربي والتعرض له يعني التعرض لفلسفة وأساس البناء الأوروبي نفسه.
المشكلة الكبرى التي يطرحها «البريكست» البريطاني هي أنه يفتح شهية أوروبيين آخرين للتفكير في إجراء استفتاء شبيه. نسبة الراغبين بترك الاتحاد ما تزال ضعيفة إلى حد ما في الدول الأوروبية الأخرى، ولكن من يضمن بألا ترتفع مع الأزمات المقبلة؟ في فرنسا ٥٣( في مقابل ٤٥٪ من الألمان و٤٧٪ من الإسبان) يؤيدون استفتاء حول «الفركست» (خروج فرنسا) وهذا أمر خطر جداً إذا تذكرنا بأن فكرة الاتحاد الأوروبي كانت في الأصل فكرة فرنسية (منذ فكتور هوغو في القرن ١٩ ثم اريستيد بريان ما بين الحربين العالميتين ثم شومان ومونيه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية) وأن الفرنسيين، إلى جانب الألمان، هم الذين وضعوها تدريجياً، منذ بداية خمسينات القرن المنصرم، موضع التنفيذ.
يمكن القول إن الاستفتاء البريطاني في ٢٣ يونيو/حزيران المقبل سيكون أشبه بمختبر لاستفتاءات أخرى في أوروبا مستقبلاً، وإذا ما تعممت هذه الظاهرة فيمكن أن تنتج مفاعيل كارثية على مشروع الوحدة الأوروبية، كما يرى آناند مينون أستاذ العلوم السياسية البريطاني ورئيس أحد المختبرات البحثية المتخصصة بالعلاقات البريطانية-الأوروبية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"