النمو السكاني والضمانات الاجتماعية

05:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة
إن فكرة محدودية النمو ليست بالضرورة صحيحة لأن طرق الإنتاج وسرعتها تتغير مما يعني أن حدود النمو ليست ثابتة بل متغيرة أيضاً حيث إن تغير طرق الإنتاج عبر التكنولوجيا دفع حدود النمو إلى مستويات جديدة لم نكن نتوقعها منذ سنوات قليلة.
في العالم يرتفع عدد السكان سنوياً مما يطرح مشكلة الضمانات الاجتماعية بشكل جدي. ارتفاع عدد السكان على الكرة الأرضية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل معيشية وبيئية وسياسية وحتى أمنية. إدارة كرة أرضية بخمسة مليارات شخص أسهل بكثير من إدارتها مع 10 مليارات شخص. حصول أزمات مالية ك «الركود الكبير» وحصول النمو السلبي أو غيابه خلال فترات غير قصيرة من الوقت وضع على الواجهة مجدداً معضلة الزيادات السكانية الكبيرة. لكن الواقع موجود وهو النمو السكاني القوي بالرغم من كل شيء. هنالك ضرورة إذاً للتنبه للزيادات السكانية والتحضير لها منعاً لحدوث مشاكل أمنية بسبب سوء توزيع الغذاء والطمع من قبل بعض الدول أو القيادات. في الماضي، كان المطلوب أن ينتج كل زوجين 2,1 طفل للمحافظة على عدد السكان. أما اليوم فالرقم أصبح 3 أو ربما أكثر نتيجة عدم رغبة الكثيرين في الزواج أو رغبتهم في الزواج دون إنجاب أطفال أو غيرها من المواضيع والأمور الأخرى المطروحة عالميا.
إذا كانت الدول الصناعية مرتاحة لأوضاعها، فهذا لا يعني أن الدول الناشئة والنامية هي في نفس الأوضاع. المشكلة ليست فقط مالية وإنما سكانية، أي ارتفاع عدد المسنين نسبة للعاملين مما يسبب مشاكل كبرى على صعيد الاستقرار الاجتماعي وتحديد سن التقاعد ونوعية وكمية المنافع والواجبات وغيرها. قبل سنة 2011، كانت التقديرات العالمية تشير إلى وصول سكان العالم إلى 9,1 مليار شخص في سنة 2100 والى انخفاضه إلى 8,5 مليار قبل سنة 2150. تمت مراجعة هذه التقديرات فيما بعد نتيجة وتيرة الإنجاب والوفيات، فتبين أن هنالك 9,1 مليار شخص سيشكلون عدد السكان في سنة 2050 وسيرتفع العدد إلى 10,1 مليار في سنة 2100 ويستمر في الارتفاع فيما بعد. طبعا، أهم من عدد سكان الأرض هي نوعية الحياة وكيف تنظم منعاً لانتشار الفقر واستغلال الموارد الطبيعية وتدمير البيئة النظيفة أو ما تبقى منها. الموضوع ليس موضوع تفاؤل أو تشاؤم وإنما معالجة الوضع بالمنطق لإيجاد الحلول وتنظيم العيش المشترك.
إن فكرة محدودية النمو ليست بالضرورة صحيحة لأن طرق الإنتاج وسرعتها تتغير مما يعني أن حدود النمو ليست ثابتة بل متغيرة. تغير طرق الإنتاج عبر التكنولوجيا دفع حدود النمو إلى مستويات جديدة لم نكن نحلم بها حتى منذ سنوات قليلة.
هنالك دول تلوث، لكن هنالك دول أيضا تسعى إلى تغيير نوعية الطاقة التي تستعملها في الإنتاج. فالصين تلوث دون شك، لكنها تستعمل الطاقة المتجددة بشكل متطور ومكثف أي ضعفي ما تفعله أمريكا وألمانيا في هذا الإطار. في سرعة نمو استعمال الطاقة البديلة، تقع الصين أولاً ثم كوريا الجنوبية فتركيا ثم ألمانيا. فالمشكلة السكانية تتطلب جهودا كبرى ليس فقط في الطب والصحة وإنما أيضا في التعليم والتوعية لضبط النمو وجعله صحيا. فالتعليم يعني التوعية التي تؤثر مباشرة على البيئة والاستهلاك في كميته ونوعيته. لا شك أن طرق وكمية استهلاك المياه والنفط هي في قلب التطور السكاني العالمي ونوعية الحياة فيه.
لبنان من الدول التي تحصل فيها زيادات سكانية طبيعية. في ظل ضعف النمو الاقتصادي السابق الناتج عن السياسة، لا بد من القلق حول جودة الضمانات الاجتماعية التي يحصل عليها اللبناني. وجود عدد كبير من اللاجئين يعقد المشكلة ويشكل ضغطاً على الموارد المتوافرة علماً أن المشكلة الأساسية موجودة قبل الحرب في سوريا والحلول الجدية ليست مطروحة بعد. اللبناني قلق على وضعه، قلق على معيشته بعد التقاعد خاصة وأن عمر ال 64 ليس متقدما وعلى اللبناني أن يفكر كيف سيعيش في السنوات ال 16 التي تلي. الضمانات الاجتماعية المتوافرة للبناني غير كافية ولا تلبي طموحات المواطن العادي ولا بد من تحقيق إصلاحات كبيرة وجدية في النظام لإدخال الجميع إليه مع درس طرق التمويل المناسبة لأن لبنان يعاني من عجز مالي كبير ودين عام أكبر وبالتالي لا يمكن المخاطرة أكثر بالسلامة المالية العامة.
إصلاح أنظمة الضمان الاجتماعي مطلوب في كل الدول الناشئة. تبلغ تكلفة الضمانات الاجتماعية الرسمية حوالي 6% كمعدل في الدول الناشئة أي أقل مما هي عليه في معظم الدول الصناعية. إن التطور السكاني في الدول الناشئة كما التغير الديمغرافي في الهيكلية السكانية يجعل الأنظمة الحالية غير صالحة بل مكلفة ولا تتحملها الموازنات العامة المتأرجحة أصلا بين العجز المالي الكبير والعجز الأكبر الخطير. في لبنان، الوضع سيئ إذ إن تكلفة الضمان الرسمي لا تشكل إلا 3% من الناتج لكن المؤسسة تعاني من الفساد والفوضى وسوء الإدارة. تترك مؤسسة الضمان الاجتماعي تنهار إدارياً ومالياً وخدماتياً علماً أن تكلفة تشغيلها كبيرة جدا وتأكل قسما كبيرا من الإيرادات. هنالك فضائح جدية تظهر إلى العلن من وقت لآخر، لكن المعالجة حتى اليوم غير جدية والمهم أن لا يتهم «كبش محرقة» في هذا الإطار كما جرت العادة ويستمر الفساد بل تزدهر السرقة أكثر من السابق.
من الضروري جدا إصلاح مؤسسة الضمان الاجتماعي وجعلها تخضع للرقابة الجدية من قبل الدولة والعمال والقطاع الخاص حتى تحوز مجدداً على ثقة المضمون والمواطن اللبناني. المطلوب اليوم مع العهد الجديد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في إدارة الضمان، وهم موجودون في كل الطوائف والمذاهب. التأخير في الإصلاح مضر ومكلف وسيحاسب عليه التاريخ يوما.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"