الوجه الآخر لنتائج الانتخابات الإيرانية

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد السعيد إدريس

النتائج الأخيرة للانتخابات التشريعية في إيران تؤكد أن البلاد مقبلة على مرحلة شديدة التعقيد في سياستها الخارجية، وفي أوضاعها الداخلية

مع الإعلان الرسمي لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات العامة الإيرانية، (انتخابات مجلس الشورى)، التي أجريت يوم الجمعة الماضي، يمكن القول إن المحافظين المتشددين، وبتحديد أكثر مرشحي «الحرس الثوري»، قد حققوا أغلبية كبيرة على منافسيهم من الإصلاحيين، والمعتدلين، ما يعني أن البرلمان الجديد الذي سيبدأ أعماله في أغسطس/ آب المقبل، سيكون «برلمان المحافظين». ومن المقرر أن تجرى جولة الإعادة في الدوائر التي لم تكتمل انتخاباتها يوم 18 إبريل/ نيسان المقبل، وهذه الجولة الثانية لن تغير كثيراً من النتائج التي أعلنت وكشفت عن حصول المحافظين على 191 مقعداً من إجمالي عدد نواب البرلمان البالغ عددهم 290 نائباً، والباقي كان من نصيب المستقلين أولاً، ومن بعدهم الإصلاحيين، والمعتدلين، وهي، بالمناسبة أسوأ نتيجة حصل عليها تيارا الإصلاحيين، والمعتدلين، على مدى أربعة عقود مضت. هذه النتائج تحمل الكثير من الدلالات من أبرزها:

- إن البرلمان القادم سيكون برلمان مواجهة ساخنة مع السياسات الأمريكية في المنطقة، سواء على صعيد أزمة البرنامج النووي، أو على صعيد القدرات الصاروخية الإيرانية، أو السياسة الإقليمية الإيرانية، وهي القضايا الثلاث الكبرى الخلافية بين إيران والولايات المتحدة، وحلفائها.

- إن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والتيار الإصلاحي، والتيار المعتدل، ستتقلص أدوارهم في صنع السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، معاً. وإن السنة المتبقية للرئيس روحاني في الحكم ستشهد مواجهات عنيفة بينه، وبين مناوئيه من المحافظين المتشددين، سواء جاء الجنرال محمد باقي قاليباف، أو سعيد جليلي على رأس مجلس الشورى خلفاً لرئيسه الحالي على لاريجاني.

فالثنائي، قاليباف وجليلي، ربما يحلان محل لاريجاني وروحاني، ليفرضا تناغماً وسيطرة للمحافظين على إدارة الدولة وانزواء الإصلاحيين، بكل ما يعنيه ذلك من فرض سياسة صدامية في الخارج، وتشدد في إدارة الدولة في الداخل.

- إن فرص البحث عن حلول سياسية لأزمات إيران الخارجية سوف تتقلص في أغلب الملفات، وربما يكون هذا النهج ليس رداً على السياسة الأمريكية فقط، وبالتحديد على الرئيس دونالد ترامب، بل هو إحدى نتائج سياساته، على نحو ما يروج الساسة الديمقراطيون الأمريكيون الذين يستعيدون الآن رهانات الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان يدعم فرص الإصلاحيين لفرض التغيير من الداخل الإيراني، وكان يعتقد أن الاتفاق النووي مع إيران، وتدعيم الجناح الإصلاحي، وحل مشاكل إيران الاقتصادية، ستسفر عن نتائج إيجابية من منظور فرص تحولات داخلية أكثر تجانساً مع المطالب الدولية من إيران.

- إن الانسجام بين الرئيس الإيراني الجديد في العام المقبل، وبين البرلمان، سيكون على وجه أفضل، إذا أخذنا في الاعتبار أن الأجواء السياسية الداخلية الحالية وفوز المحافظين المتشددين بالأغلبية داخل البرلمان، ستؤمن فوز رئيس محافظ أكثر تشدداً، في منتصف العام المقبل.

كل هذا يمكن اعتباره انتصاراً للمرشد الأعلى، و«الحرس الثوري»، لكن هناك وجه آخر سلبي لهذه النتائج، وهو ما سيؤثر كثيراً في فرص نجاح المتشددين في إدارة البلاد، ومن شأنه أن ينقل الصراع الحالي من مواجهة بين كل من الإصلاحيين والمعتدلين مع المحافظين المتشددين، إلى مواجهة بين الشعب الإيراني، والحكم في طهران، وربما مع خامنئي نفسه.

النتائج الانتخابية المعلنة رسمياً تقول إن نسبة المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات بلغت 42.6% وهي أدنى نسبة مشاركة، ما جعل جولة الانتخابات الأخيرة «باهتة»، بل ومرفوضة شعبياً، واستفتاء غير مباشر من الشعب الإيراني على «شرعية الحكم» وعلى سياساته. والأمر يبدو أكثر سوءاً إذا أخذنا في الاعتبار أن المرشد الأعلى نفسه نزل بكل ثقله لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات، معتبراً أن «التصويت ليس مسؤولية ثورية، ووطنية، فقط، بل هو أيضاً واجب ديني».

العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات يعد بمثابة رد بالرفض لسياسات النظام، يمكن أن يتطور إلى رفض للنظام، وأن تتفجر تظاهرات الغضب مجدداً، إذا أخذنا في الاعتبار أن سياسات التشدد المتوقعة مع الولايات المتحدة، ستؤدي إلى مزيد من العقوبات، ومزيد من دعم حالة الرفض الشعبي داخل إيران.

كما أن هذه النتائج ينظر إليها أنها شديدة السلبية، وليست فوزاً للمحافظين بعد أن تم إقصاء نصف عدد المرشحين، وأغلبهم من الإصلاحيين، والمعتدلين، وفي مقدمتهم 90 نائباً في البرلمان الحالي ينتمون إلى هذين التيارين، ما يعني أن الانتخابات كانت بين المحافظين والمحافظين، وهذا لا يمكن أن يعتبر انتصاراً.

هذه النتائج تؤكد أن إيران مقبلة على مرحلة شديدة التعقيد في سياستها الخارجية، والأهم هو التعقيد الذي سيفرض نفسه على سياسات الحكم في الداخل، وسيكون عنوانه الأكبر أن التغيير أضحى مطلباً شعبياًً، لا هروباً منه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"