امرأة تتحدى زمن الصمت

03:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

مهما طال الليل وتوارت الحقيقة خلف ظلمات التعصب والجور والانحياز، يظل هناك دائماً نبلاء تشرق ضمائرهم بنور الحق والعدل والجسارة. لا يرهبهم الظالمون مهما كانت قوتهم، ولا تضللهم صيحات المتعصبين حتى لو تعالت صرخاتهم.
واحدة من هؤلاء النبلاء الشجعان محامية وكاتبة وناشطة سياسية أمريكية نذرت حياتها للدفاع عن حقوق الإنسان تدعى ميشال الكسندر.
وفي الذكرى التسعين لميلاد المناضل الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينج الذي اغتالته رصاصات التعصب عام 1968 ارتفع صوت ميشال، وهي أيضاً من أصل إفريقي، تردد واحدة من أشهر كلمات أستاذها الذي ناضل ضد التمييز العنصري: «حان وقت الكلام.. فلم يدع لي ضميري خياراً آخر».
اعتبر كينج في زمانه أن الصمت على جريمة الحرب الأمريكية في فيتنام أصبح خيانة، وقرر أن يعارضها ودفع حياته ثمناً لموقفه. الآن تعتبر تلميذته أن الصمت على جرائم الاحتلال «الإسرائيلي» ضد الفلسطينيين خيانة أيضاً، بل هو أكبر خيانات العصر مثلما أن الاحتلال أكبر جرائم العصر.
المدهش في كلمات ميشال الجسورة أنها نشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» التي واتتها هي الأخرى الشجاعة لنشر هذه الانتقادات الحادة لـ«إسرائيل» وهو موقف استثنائي في ظل سطوة ونفوذ اللوبي «الإسرائيلي» المتعصب.
استهلت الكاتبة مقالها وعنوانه «زمن كسر الصمت حول فلسطين» بالاعتراف بأنها كانت مثل غيرها تخشى عواقب الحديث عن المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون خوفاً من انتقام الجماعات اليهودية، التي تطارد من يجرؤ على الكلام بحملات مسعورة تصل إلى اغتياله معنوياً وفصله من عمله. فضلاً عن ترهيب أي وسيلة إعلامية لمنعها من نشر أو إذاعة مثل هذه الآراء.
لن نضيف جديداً للقارئ العربي بسرد ما قالته الكاتبة عن سياسات التمييز العنصري التي تمارسها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين وآخرها قانون يهودية الدولة. وتحصي الكاتبة أشكالاً عدة للقمع «الإسرائيلي» بما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي مثل الاعتقال التعسفي بما في ذلك اعتقال الأطفال ومحاكمتهم، وهدم ومصادرة البيوت والأراضي.
تسليط الضوء على هذه الجرائم بهذا الوضوح في صحيفة أمريكية كبرى بحجم وأهمية «نيويورك تايمز» هو تطور مهم في حد ذاته. وقد لا تكون تلك هي المرة الأولى ولكنها من المرات النادرة. وإذا كان ذلك مؤشراً لتوجه جديد فسيكون هذا أحد المكاسب المهمة للقضية الفلسطينية لاسيما أن الجهود العربية الرسمية فشلت دائماً في كسب عقول وقلوب الأمريكيين. كما أن حديث المواطنين الأمريكيين، وليس العرب، دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية يظل أكثر واقعية وإقناعاً للرأي العام هناك.
من الأشياء المهمة التي ذكرتها الكاتبة في مقالتها قصة حاخام من جنوب إفريقيا يدعى «بريان والت» كان من أكثر المؤيدين لـ«إسرائيل» والمدافعين عن الصهيونية. ومثل كل المتدينين اليهود اعتبر «إسرائيل» تجسيداً للنبؤات التوراتية ومركزاً ثقافياً يعكس المثل العليا اليهودية. احتاج «والت» إلى 20 زيارة إلى الضفة وغزة لكي يغير آراءه تماماً إزاء «إسرائيل»، أو بالأحرى لكي يصحح هذه الآراء.
شاهد «والت» بنفسه الصورة على حقيقتها وليس كما يزيفها الإعلام. رأى معاناة الفلسطينيين، والتمييز الصارخ ضدهم. واقتنع بأن كل هذا يتم بصورة ممنهجة من قبل الدولة، وبإشراف الجيش وليست انتهاكات فردية غير مسؤولة. نقطة التحول بالنسبة له كانت في رؤية شوارع مخصصة لليهود فقط، وهو ما أيقظ في داخله ذكريات طفولته في جنوب إفريقيا عندما كانت حكومة الأقلية البيضاء تفرض إجراءات فصل عنصري مماثلة ضد السود.
كثيرون من أصحاب الضمائر الحية والبصائر المستنيرة من الأمريكيين يهود وغير يهود، أصبحوا يعرفون نفس الحقائق التي يعرفها والت وميشال. وأصبحوا مثلهما أيضاً يتحدثون بصوت عال عنها، ويقاومونها عبر وسائل الإعلام. قد يكون الطريق طويلاً والحلم بعيد المنال ولكنها البداية، وهي ضرورية ومطلوبة حتى لو جاءت متواضعة ومتأخرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"