انتخابات البرازيل: هل يطيح الفساد الإنجازات؟

03:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
عصام الجردي
يتوجه الناخبون البرازيليون إلى صندوق الاقتراع اليوم في دورة ثانية لاختيار رئيس جديد للبلاد، بعد أن انحصرت المعركة بين الرئيسة الحالية ديلما روسيف مرشحة حزب العمال اليساري، وآيسيو نيفيس مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي . وسيكون الاقتصاد والرفاه الاجتماعي دليل الناخبين إلى وجهة أصواتهم . فالبرازيل حجزت مكاناً جديراً بالاحترام في السياسة الخارجية بتبنيها تأييد الدول النامية وحقها في الاستقلال السياسي والاقتصادي . هذا دورها في مجموعة "بريكس" التي تضمها مع الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، وفي مجموعة العشرين الاوسع مع الدول الصناعية . كل الأنظار تتجه قبل أيام من الانتخابات، نحو الأصوات التي حصلت عليها مرشحة الحزب الاشتراكي من يسار الوسط مارينا سيلفا في دورة الانتخابات الأولى والبالغة 29 .21 في المئة . ويتطلع نيفيس إلى تجيير معظمها لمصلحته، لتكون كافية بحسب تقديره لهزيمة روسيف . وكانت الأخيرة قد حصلت على 48 .41 في المئة من الأصوات، ونيفيس على 68 .33 في المئة .
تحمل روسيف إرثاً كبيراً من الإنجازات الاقتصادية والمالية والاجتماعية طيلة فترة حكم حزب العمال بزعامة الرئيس السابق اغناسيو لولا دا سيلفا . الأخير الذي حاز نحو 80 في المئة من تأييد الشعب البرازيلي، والآتي من أسفل السلم الاجتماعي - كما يصف نفسه ماسح أحذية - والذي أصبح لاحقاً عاملاً في إحدى ورش الميكانيك، وفقد بنصر يده في العمل، لا زال يدعم خليفته . لكنه مستاء من فضائح الفساد التي طالت روسيف، ومن أهمها الرشى التي دفعتها شركة "بتروبراس" الحكومية للنفط، خصوصاً أن معظم المتورطين بالفضيحة أعضاء في حزب العمال وبينهم نواب وأعضاء في مجلس الشيوخ .
لذلك، تتصدر مكافحة الفساد، برنامج روسيف الانتخابي، مع تأكيدها نهج سلفها بالإنفاق على مجانية التعليم في كل مراحله، وزيادة المنح الغذائية للعائلات المعدمة والقروض الميسرة لبناء المساكن الشعبية . الأهم في برنامج روسيف، هو الاستمرار في "صفر فقر" الشعار الذي رفعه دا سيلفا وعمل عليه ثماني سنوات حكماً خلال ولايتين بين عامي 2003 و2008 . وقد نجح في إخراج نحو 30 مليون برازيلي من دائرة الفقر المدقع . اللافت أن البرازيل تمكنت بالرغم من مستوى الانفاق العالي على الشؤون الاجتماعية، من الخروج من الدين، وسداد صندوق النقد الدولي ما كان عليها من التزامات .
برنامج نيفيس مدعوم من جانب أصحاب الأعمال مع التشدد في الإنفاق، وخفض مستوى التضخم، وتعويم عملة البلاد، ورصد اعتمادات مالية أكبر للبيئة والطاقة النظيفة واستقلال المصرف المركزي .
لئن أعطت نتائج استطلاعات الرأي، أفضلية زهيدة لروسيف بفارق 2 في المئة عن نيفيس للفوز بولاية ثانية، يفهم أن اقتراب الأخير منها جاء على فرضية حصوله على أصوات من مؤيدي مارينا سيلفا . ما يثقل على روسيف أنها لا تتمتع بكاريزما لولا دا سيلفا . إضافة إلى أن معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي سجلتها البرازيل في سنوات عهدها الأولى عادت إلى التراجع في السنة الأخيرة الانتخابية، وقد تدخل البرازيل حال الركود . المؤشرات الاقتصادية الأساسية في هذا الاتجاه، والناتج المحلي تراجع معدلاً على أساس سنوي إلى 6 .0 في المئة في الربع الثاني من ،2014 وإلى 2 .0 في المئة في الربع الأول . وكان قد سجل في نهاية 2013 نمواً بواقع 5 .2 في المئة . تأتّى ذلك من تراجع الإنتاج الصناعي 5 .1 في المئة في النصف الأول من ،2014 وصادرات السلع الصناعية قد تتراجع تبعاً لذلك في نهاية السنة . وكانت قد بلغت 250 مليار دولار أمريكي نهاية 2013 . التجارة تراجعت أيضاً 2 .2 في المئة وتراجع الاستثمار بواقع 3 .5 في المئة، في حين بلغ التضخم في يوليو/تموز من السنة 5 .6 في المئة، أي فوق 5 .4 في المئة السقف المستهدف من المصرف المركزي .
لا شك أن نيفيس سيحاول اختراق هذه الفجوات الاقتصادية للعبور إلى قصر الرئاسة في برازيليا . بقي أن يستثمر أيضاً في حملته موجة المعارضة الشعبية لنفقات بالمليارات تكبدتها الحكومة البرازيلية على تنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم الصيف الماضي . النتائج تشير إلى أن الاقتصاد البرازيلي لم يحصد بحجم ما صرفه للمناسبة من نفقات . ومع أن وكالة التصنيف الائتماني "موديز" اجتهدت بنظرة سلبية للاقتصاد البرازيلي في ،2014 لكنها أبقت على درجة (Baa2) تصنيفاً سيادياً لا تحظى به دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية .
هل بلغت رياح التغيير البلد القاري في أمريكا اللاتينية من نحو 200 مليون و5 .8 مليون كيلومتر تربيعاً لتخرج مرشحة حزب العمال من السلطة؟ حتى الآن لا يشي الواقع بذلك . فالمدّ اليساري مستمر في القارة التي يبدو أن الفقراء والتواقين إلى العلم والصحة والعمل هناك يصنعون الرؤساء والسلطات . البوليفارية مستمرة في فنزويلا والاكوادور . ايفو موراليس عاد إلى رأس جمهورية بوليفيا في انتخابات قبل أسبوعين، وكوبا فيديل كاسترو التي تتمتع بأفضل النظم الصحية المعممة بحسب منظمة الصحة العالمية، تعرض مساعدة الدول لمجابهة فيروس "إيبولا" . لو حصلت المفاجأة وخسرت روسيف، فعلى خلفية الفساد تخرج . الفساد "أيديولوجية مستقلة" عن اليمين واليسار .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"