بريطانيا بين «البريكسن» و«البريكست»

03:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

حذّر اجتماع جماعة السبعة المنعقد في اليابان من الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). وبعد التحذيرات المتراكمة الآتية من الرئيس أوباما، وزعماء أوروبيين، ومن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يبدو أن أنصار «البريكسن» (البقاء في الاتحاد الأوروبي) باتوا أغلبية، بحسب استطلاعات الرأي عشية الاستفتاء في ٢٣ يونيو/حزيران الحالي.
احترم كاميرون الاتفاق الذي وقعه مع المجلس الأوروبي، في فبراير/شباط الماضي، وبدأ بحملة لمصلحة ،البريكسن، قوامها «قصف» مؤيدي «البريكست» بوابل من التقارير الهادفة إلى زرع المخاوف الجدية من مغادرة الاتحاد الأوروبي. وزير ماليته، الذي كان من المشككين في جدوى البقاء في الاتحاد، نشر دراسة تركّز على مخاطر البريكست: تراجع الناتج الداخلي الإجمالي بين ٣،٨ و٧،٥ في المئة، ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بين ٥٠٠ و٨٠٠ ألف، انخفاض سعر الليرة الاسترلينية بين ١٢ و١٥ في المئة، تراجع المداخيل السنوية بين ٧٨٠ و١١٠٠ ليرة استرلينية للفرد الواحد في بريطانيا.. إلخ. هذا التقرير مفصّل ويقدم تحليلات معمقة متخصصة لكل منطقة وقطاع اقتصادي بهدف إشعار الجميع، من دون استثناء، بمخاطر «البريكست». وتهدف «استراتيجية التقارير» إلى إخافة المسنين من تضاؤل مداخيلهم التقاعدية، والى حث الشباب على الاقتراع لأن معظمهم سوف يصوت لمصلحة «البريكسن».

وبالطبع، لدى أنصار «البريكست» ما يقولونه في ردودهم على مؤيدي «البريكسن»، الأمر الذي فتح نقاشاً عاماً من المفيد والممتع متابعته، ولو في خطوطه العريضة والشاملة.

لا بد من التذكير بداية، بأن وجهات النظر المتعارضة تخترق الحزبين الكبيرين العمالي والمحافظ، على حد سواء. هناك عماليون مؤيدون للخروج من الاتحاد، كما هناك منهم من يؤيد البقاء، كذلك بالنسبة للمحافظين وغيرهم. وقد ترك رئيس الوزراء لوزرائه حرية الانتماء لهذا المعسكر أو ذاك، والتعبير عن الرأي بحرية مطلقة.
وهكذا مثلاً، فإن وزير العدل ميخائيل غوف،المؤيد للبريكست، يعلن أن «أوروبا تملي علينا كيف نشرّع. انتماؤنا إليها يمنعنا من تغيير عدد كبير من القوانين ومن اتخاذ القرارات الكبرى المتعلقة بحياتنا». من جهته المحافظ بريس جوهنسون، عمدة لندن الذي انتهت ولايته مؤخراً، يذهب بعيداً في القول إن «نابليون وهتلر وغيرهما حاولوا إنشاء دولة كبرى أوروبية وانتهوا بطريقة مأساوية. الاتحاد الأوروبي هو محاولة أخرى ولو بشكل مختلف. بالخروج من الاتحاد الأوروبي تستطيع بريطانيا أن توفر أموالاً على نفسها. مثلاً يمكن تخفيض الرسوم على القيمة المضافة في قطاع الطاقة من ١٥ إلى ١٠ في المئة. ثم أنه بعد هذا الخروج يمكن أن نتفاوض على البقاء في السوق الأوروبي المشترك.. إذا كانت النرويج وايسلندا وسويسرا قد وقعت اتفاقات لمصلحتها في هذا الشأن فنحن أيضاً قادرون على فعل ذلك». يؤيده في هذا الرأي رئيس غرفة التجارة كريس غريلينغ حين يعلن: «سيكون حالنا أفضل خارج أوروبا. كل شيء يتحرك في آسيا والكومنولث. داخل أوروبا لا نستطيع التفاوض على اتفاقاتنا الخاصة بالتبادل الحر مع هذه البلدان».
من جهتهم أنصار «البريكسن»، مثل دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي، يقولون إنه «يمكن أن ننتقد أوروبا على أشياء كثيرة لكنها تبقى الحاجز الواقي من النزاعات، التراجيدية في أغلب الأحيان، بين الأمم الأوروبية». وقد نشرت كونفيدرالية الصناعيين تقريراً يتضمن كل الخيارات المطروحة أمام البريطانيين إذا خرجوا من الاتحاد، يبرهن بأن «الأثر سيكون سلبياً جداً، ويمثل تراجعاً بنحو مئة مليار ليرة استرلينية للناتج الداخلي القائم من هنا للعام ٢٠٢٠. ومن جهته، وزير المالية جورج اوسبورن، يعتقد أنه «في انتظار المفاوضات حول تبادل حر محتمل مع أوروبا هناك مخاطر ركود اقتصادي وانهيار للأسواق المالية وبطالة مهمة. أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة مرتبطة بأوروبا،ما يعني أن أكثر من ٨٠٠ ألف بريطاني سيفقدون وظائفهم». وقد وقع ستة وثلاثون مدير شركة كبرى على وثيقة ورد فيها: «شركاتنا تحتاج إلى سوق ضخم يضم ٥٠٠ مليون شخص للاستمرار في التطور والاستثمار وخلق الوظائف وفرص العمل»، وذلك في رد على وثيقة وقعها ٣٠٠ مدير شركة يعارضون بيروقراطية بروكسل.
بالطبع رئيس الوزراء كاميرون يفخر بالاتفاق الذي أنجزه مع الأوروبيين في فبراير/شباط الماضي فيعلن: «أنا مع أوروبا، ولكني أيضاً مع السيادة البريطانية. لذلك ناضلت بعناد في فبراير/شباط الماضي من أجل الحصول على استثناءات وإعفاءات لبلدي من التزامات أوروبية لا نريدها».
لا تنتهي الأطروحات المؤيدة وتلك المناهضة لها بين أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي ومؤيدي الخروج منه. ومهما كانت نتيجة الاستفتاء فإنها ستشكل منعطفاً في تاريخ كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"