بوتين وأوراسيا الكبرى

03:19 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

فجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاجأة جديدة عندما كشف أن بلاده مستعدة لتسهيل منح جنسيتها إلى كل الأوكرانيين، وليس إلى سكان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين، في موقف بدأ يثير الجدل على وجوه عديدة، فبينما تعتبر موسكو أن الإجراء يدخل «في إطار حسن الجوار وتمتين الروابط التاريخية بين الشعبين»، ترى كييف أن هذه الخطوة خطيرة وتمهد لأهداف أخرى منها طموح الكرملين لتحقيق حلم أوراسيا الكبرى.
تصريح بوتين جاء من الصين على هامش مشاركته في قمة «الحزام والطريق»، التي وضعت معالم تغيرات جوهرية في العلاقات الدولية، وبدأت تمهد لانقلاب واضح في موازين القوة وساحات النفوذ والمفاهيم السياسية، كما يأتي قبل لقاء متوقع بينه وبين الرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي الذي سارع إلى رفض خطوة بوتين ووجه انتقادات مبطنة إلى نظام الحكم في روسيا، وعرض هو أيضاً إمكانية منح الجنسية الأوكرانية لمن يرغب وفي مقدمتهم الروس، لكنه أعرب عن الأمل في مناقشة شروط جديدة للتعايش السلمي بين البلدين، فيما تقول مصادر في كييف إن موقف بوتين يمثل بداية رئاسية غير مريحة لزيلينسكي، في الوقت الذي كانت التوقعات تشير إلى أن فوز هذا «الكوميدي» سيفتح صفحة جديدة بين كييف وموسكو، تطوي صفحة العداوة القائمة بين الرئيس السابق بيترو بورشينكو وبوتين.
قد يكون من المبكر توقع المدى الذي سيصله السجال الروسي الأوكراني. كما لا يمكن توقع حدود مواقف الدول الغربية التي فرضت عقوبات على موسكو بعد ضمها شبه جزيرة القرم. أما الأمر المؤكد فيتعلق بأن موقف بوتين حول «تجنيس» الأوكرانيين يتحرك في قلب الصراع الروسي الغربي المفتوح، فالغرب مازال يعمل على جر أوكرانيا إليه وضمها إلى الحلف الأطلسي، وبالمقابل تعمل روسيا على إحباط هذه الخطة بكل الوسائل المتاحة. وبإثارة موضوع «التجنيس» وجه بوتين رسالة إلى خصومه الغربيين مفادها أن أوكرانيا ستظل ضمن الفضاء الروسي ولا يمكن التنازل عنها، بينما تذهب بعض القراءات إلى أن موسكو ربما تذهب إلى أبعد من المواقف السياسية، إذا ما استمرت المضايقات الغربية للمصالح الروسية وخصوصاً في دول شرقي أوروبا.
التطورات الجديدة، تبعها تأكيد مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف أن موسكو تؤيد قيام أوراسيا الكبرى، التي تضم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي بالشراكة مع الصين لتحقيق التكامل والمصالح المشتركة، نافياً في الوقت ذاته «فوبيا» بعض الغربيين من أن الصين «بصدد ابتلاع العالم»، بينما تشير معطيات كثيرة إلى أن العالم يشهد تحولات غير خافية، تحركها القوى العائدة وأولها الصين وروسيا. وضمن هذا السياق يمكن فهم تصريح الرئيس الروسي، الذي ينسجم مع طبيعة هذه التحولات التي لا تروق لكثيرين، ولكنها حقيقة واقعة، وهي التي ستحدد مستقبل العالم في السنوات والعقود المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"