تبعات انخفاض أسعار النفط على الدول العربية

02:40 صباحا
قراءة 4 دقائق

مرة أخرى لم يفلح قرار منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) قبل نهاية العام الجاري بأسبوعين بخفض سقف إنتاجها بأكثر من مليوني برميل يومياً في وقف تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية . وكان سبق لأوبك ان خفضت إنتاجها بمقدار 5 .1 مليون برميل يومياً في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من دون أن يؤثر ذلك في السوق أيضاً . والواقع ان أوبك لم تفعل أكثر من أنها سحبت القدر الأكبر من فائض العرض من السوق، وان ظل مستوى الطلب أقل من المعروض .

وإذا كانت تقديرات الإنتاج والتصدير تعتمد على نمو الطلب العالمي، فإن الطلب على النفط تراجع هذا العام بنحو 2 .0 في المائة هذا العام ويتوقع ان يتضاعف في العام 2009 إلى 4 .0 في المائة على أقل تقدير في ظل أكثر التقييمات تفاؤلاً للركود الاقتصادي العالمي . وهكذا فإن الطلب لم يتوقف عن النمو فحسب، بل اخذ في الانكماش في ظل استمرار وجود فائض عرض في السوق .

لذا أخذ المحللون والمعنيون بأسواق الطاقة العالمية يضعون احتمالات متشائمة لمنحى الأسعار يمكن إجمالها في المتوسط بتقدير أن يتحرك سعر برميل النفط في نطاق يتراوح بين 25 دولاراً و35 دولاراً خلال العام المقبل . والأرجح أن أعضاء أوبك، أو كبار المصدرين من غير أعضائها لن يكون بمقدورهم عمل الكثير لتغيير الوضع . ومع ان غالبية الدول المصدرة للطاقة، التي يعد العائد من ذلك التصدير مصدراً رئيسياً لدخلها، تضع ميزانياتها السنوية على أساس أسعار منخفضة لبرميل النفط، إلا أن الهبوط المتوقع سيتجاوز تلك الأسعار المفترضة نزولاً . ومن شأن تراجع عائدات الدول النفطية العربية، خصوصاً في الخليج، أن يؤثر في ميزانياتها وخطط التنمية فيها . ولن يقتصر التأثير في الدول المصدرة، بل ان الدول المستوردة للطاقة في المنطقة لن تستطيع الاستفادة من انخفاض أسعار النفط لأن منتجاتها المعتمدة على الطاقة لن تجد سوقاً جيدة في ظل ركود اقتصادي عالمي .

مع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة الركود، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الرئيسية، لا ينتظر ان يسلم اقتصاد في العالم من تبعة الأزمة الحالية . وتتوقع مؤسسات عدة ان يتراجع معدل النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار النصف تقريبا عن معدلات نموه في السنوات الخمس الاخيرة . صحيح ان اقتصادات المنطقة قد لا تشهد انكماشاً كما في الاقتصاد الأمريكي وغيره من الاقتصادات الرئيسية، لكن متوسط نسبة النمو المتوقعة للمنطقة في العام 2009 عند أقل من 3 في المائة تعد أقل حتى من نصف نسب النمو لكثير من اقتصادات المنطقة أخيراً .

وعلى الرغم من أن الحسابات الجارية لمعظم دول الخليج المصدرة للنفط لا تزال جيدة، بسبب وفرة العائدات في السنوات الأخيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط عن المستويات التي حددتها في ميزانياتها، فإن ذلك لن يمنع تأثر تلك الاقتصادات بأزمة الركود العالمي وتراجع أسعار النفط في العامين المقبلين . أما الدول غير النفطية، وخصوصاً كثيفة السكان منها، فإنها ستعاني معاناة مضاعفة . فإلى جانب تراجع النمو الاقتصادي الذي كانت تحتاج إلى زيادته لمواجهة مشكلات البطالة والفقر فإن فترة الوفرة والنمو الاقتصادي لم تنعكس تحسناً ملحوظاً على قطاعات واسعة من سكانها . ومن ثم ستتضاعف المشكلات في تلك الدول مع احتمال ان يؤدي التباطؤ الاقتصادي في الدول النفطية المستوعبة للعمالة منها إلى تقليص مشروعاتها وبالتالي عودة تلك العمالة إلى دولها لتزيد من الضغوط على اقتصادها الذي يعاني أصلاً .

في ظل توقع انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة نصف نقطة مئوية تقريباً سيكون من الصعب على كثير من دول المنطقة الاستمرار في مشروعات التنمية الطموحة التي بدأت أو تم التخطيط لها في فترة الوفرة والنمو في السنوات الخمس الأخيرة . واذا كانت دول كقطر والسعودية والإمارات لديها من الأموال ما يمكنها الاستمرار في بعض مشروعات تطوير الطاقة الأساسية، فإن أي استثمارات متوقعة من الشركات الكبرى أو احتمالات اقتراض أو تمويل من السوق العالمي تتضاءل الآن في ظل الركود . وتفاديا لاحتمالات العجز في الميزانية أو الحساب الجاري، تتردد معظم حكومات المنطقة في التوسع في تلك المشروعات في الفترة المقبلة ما يعني المساهمة في انكماش النشاط الاقتصادي ولا يساعد على زيادة النمو .

ولا يمكن هنا تجاهل وضع الأسواق المالية في المنطقة، على الرغم من حداثتها وصغر حجمها، التي تشهد تراجعاً مطرداً في الآونة الأخيرة . فمن شأن خسارة المستثمرين في البورصة (حتى وان كانت خسارة دفترية) ان تزيد من الشكوك وعدم اليقين لدى هؤلاء المستثمرين فيحجموا عن النشاط والانفاق . ويسهم ذلك أيضاً في عدم زيادة النمو الاقتصادي، وان كان بنسبة أقل نتيجة عدم الانتشار الواسع لثقافة الاستثمار في الأوراق المالية في غالبية دول المنطقة .

يبقى ان ذلك التراجع في معدلات النمو الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمقدر في المتوسط للمنطقة ان يصل إلى 5 .2 في المائة، سيكون متباينا من بلد إلى آخر، إذ قد يصل إلى ما بين 4 و6 في المائة في دول الخليج وما يقارب 3 في المائة أو أقل في إيران مثلاً، إلا أن تبعات نسب تراجع النمو الاقتصادي ستختلف أيضاً من دولة إلى أخرى، وسيكون التأثير السلبي الأكبر في الدول التي تستهدف زيادة النمو إلى مستويات أعلى من متوسط السنوات الخمس الماضية لحل مشكلاتها الاقتصادية المزمنة .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"