تحرر المخيلة

04:12 صباحا
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

اختارت اللجنة التنظيمية لمهرجان الفنون الإسلامية مفردة «مدى» كشعار للدورة الجديدة، وعرفت اللجنة الشعار بالقول: «المدى حيز ومجال مفتوح إلى ما لا نهاية، يحيل إلى التأمل والانطلاق نحو عوالم بصرية تتوارى وراء المكان، كأن ترى الصورة وأنت مُطبق العينين، وهذا فعل تخيّل، وليس أقدر من المخيّلة على استدعاء كل جميل غائب، وغير مكتشف»، وقد جاء هذا الشعار بعد تنقيب وبحث ومفاضلة بين عدد من المسميات الفنية، ليمثل حالة من ضرورة التقصي الأكبر في الفن الإسلامي واكتشاف ماهيته ومواضيعه، والقدرة على إنجاز المزيد من الأعمال الفنية التي تتمثل وتستوعب المفهوم الخاص بالفن الإسلامي.
إن اختيار الشعارات من قبل مهرجان الفنون الإسلامية يعبر عن عبقرية وتفرد، ويبحث في ذات الوقت عن أفق لتطور الفنون الإسلامية بحيث تكون معبرة عن واقع اليوم، أي أكثر معاصرة، ونرى ذلك واضحاً في بعض الشعارات السابقة مثل «أفق»، والذي يعبر عن مدى قدرة الفنان على توسعة أفق العمل الفني من خلال الابتعاد بالمسارات التعبيرية للعمل عن المباشرة إلى مجازات تعبيرية مفتوحة على العديد من الاحتمالات شكلاً ومضموناً، وكلها شعارات تدور حول ضرورة استجلاء المعنى والفكرة والاتجاه نحو الابتداع الفني إلى أشكال جديدة مفتوحة على شتى ضروب الخيال، ويأتي «مدى»، ليصب في ذات المعنى.
ولعل الدافع الأكبر من إطلاق هذا الشعار هو إتاحة مجال وأفق للفنانين والمبدعين عبر إطلاق الطاقات الذهنية بحيث يدركون المعاني الكامنة في هذا الفن وصولاً لجوهره؛ ولعل ذلك الأمر يتطلب من الفنان أن يتحرر من الكثير من الأفكار والتصورات، وصولاً للتعمق في الجوانب الروحية في الفنون الإسلامية، بحيث يخلق حالة فارقة تتجاوز المحددات والقيود التي يصنعها فقر الخيال، وهذه الحالة لا تكون إلا عبر خيال منطلق لا يعرف الحدود، هنا يتخلق واقع جديد للفن الإسلامي يتفرد بجمالياته حيث تتبلور آفاق الخيال ومجازات التعبير والصورة المجردة وجمال العنصر وسحر الصورة بكلّيتها، في لوحة، أومنمنمة، أو رقش.
ولئن كان الفنان يذهب بخياله نحو صنع أعمال إبداعية فارقة تعبر عن روح وماهية الفنون الإسلامية؛ فإن المطلع على هذه الأعمال من جمهور يجب أن يتمتع هو الآخر بالخيال والحس والفكرة، حتى يستطيع أن ينجح في قراءة اللوحة في كافة تشعباتها وتفكيك مراميها ومعانيها وصولاً لفكرة الفنان، فاللوحة أو العمل البصري، يحتوي على الكثير من التعقيدات من لون وفراغات وخطوط وأبعاد، الأمر الذي يتطلب ذائقة وحساً فنياً لفهم المنجز الجمالي.
ويشير توظيف الشعار في هذه الدورة إلى إرادة المهرجان في الوصول بالفنون الإسلامية إلى العالمية، ويتضح ذلك من خلال المدارس والمكونات الفنية المختلفة التي تشارك في المهرجان والتي تعبر عن لحظة التقاء وتقارب بين مناهج ورؤى فنية عالمية مختلفة، تنشد خلق حالة من الحوار الفني، ولعل الشعار يستهدف ثورة في الفنون الإسلامية لا تنفصل عن الماضي بل تمثل جسراً بين الأصالة والمعاصرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"