تحرير الحديدة.. ضمان لحماية المدنيين

04:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تمضي عملية تحرير مدينة الحديدة اليمنية (226 كيلومتراً غربي العاصمة صنعاء) على قدم وساق، بعد انهيار جبهة الانقلابيين وفرار معظمهم وخلو المدينة من أفرادهم، وذلك بعد أربعة وأربعين شهراً على استيلائهم على هذه المدينة الساحلية، التي تُعد إلى جانب تعز والعاصمة صنعاء، من كبريات مدن شمالي اليمن.
وتكتسي هذه المدينة أهمية مضاعفة؛ كونها تؤمن ممراً مائياً إلى جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى، إضافة إلى جبل صقر. وقد دأب الانقلابيون على استخدام ميناء المدينة للتزود بالأسلحة الفتاكة من إيران، والتحكم في وصول المواد التموينية للمدنيين، واستغلال تجارة الميناء لفائدة الحوثيين.
وواقع الأمر أن الفرار السريع لقوات الانقلابيين، يوفر فرصة لتجنب معركة قد يُضار منها المدنيون والمرافق المدنية، باستثناء حقول الألغام ضد الأفراد التي واظب الانقلابيون على وضعها، في الأماكن الاستراتيجية كالمطار والميناء، والتي تتطلب العمل على نزعها لتجنيب المدنيين مخاطرها القاتلة.
ومن المنتظر والمحتم بطبيعة الحال، إيلاء أكبر اهتمام لحماية المدنيين وتمكين النازحين منهم من العودة إلى مدينتهم، وإغاثة من يحتاج إلى الغوث منهم، وهي سلوكيات كان ينأى عنها الانقلابيون طيلة فترة استيلائهم على المدينة، حيث لم يتوانوا عن تجنيد الأطفال، وقصف الأحياء السكنية، والاستيلاء على رواتب الموظفين وثروات التجار والخزينة العامة (أكد ذلك الرئيس علي عبدالله صالح في آخر تسجيل له قبل قيام الانقلابيين باغتياله)، والقيام باعتقالات جماعية لكل من لم يسر في ركابهم.
ويجمع مسؤولون في اليمن على أن تحرير الحديدة يفتح الطريق إلى صنعاء وإلى ما تبقى من مدن الساحل، ويحرم الحوثيين من شريان حيوي لتهديد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، ولتلقي الدعم العسكري متعدد الأشكال من طهران، وآخره وأبرزه الصواريخ الباليستية، وهو الدعم الذي أطال أمد الحرب وأغلق الأبواب أمام فرص الحل السياسي، وضاعف معاناة اليمنيين، وشَحَن الانقلابيين بالخُيلاء، وأوهمهم بأن انقلابهم الذي دبّروه من وراء ظهر الشعب اليمني، وعلى الضد من إرادته، قد يحقق بعض فرص الفوز، ويضع حداً لسيادة البلد واستقلاله، ويفصله عن محيطه العربي الخليجي، ويمهد لتهديد هذا المحيط القومي، وتحويل اليمن إلى قاعدة تبعية للخارج وعداء لمحيطها، وهي أوهام سرعان ما تبددت، وذلك لما لقيه الجيش اليمني والمقاومة الوطنية من دعم مشروع وفائق الفاعلية، من طرف التحالف العربي وعماده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، ما مكّن من إلحاق هزائم متتالية بالانقلابيين، ومع ما أصاب قاعدتهم الاجتماعية من انحسار وضيق متزايدين، خاصة بعد انضمام القوات التي كانت تؤيد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلى الجيش اليمني والمقاومة الضاربة، وبعد الانكشاف المتزايد لما يشكله المشروع الانقلابي من خطر جسيم على النسيج الوطني والاجتماعي، وعلى المؤسسة العسكرية وعلى الدولة الشرعية ومؤسساتها ومرافقها التي لحقها النهب والتدمير بصورة مطّردة، منذ الانقلاب الأسود في سبتمبر 2014.
وعليه فإن تقدم قوات الشرعية على طريق تحرير الحديدة مدعومة من التحالف العربي الإماراتي السعودي، من شأنه التمهيد لعودة فتح ميناء المدينة ومطارها للأنشطة المدنية، وتنشيط وصول المواد الغذائية والتموينية والطبية، ورفع الكابوس الذي هدد ملايين اليمنيين طيلة السنوات الأربع الماضية، وجعل منهم أشبه برهائن لدى الانقلابيين، مع تفشي الأوبئة ومختلف أشكال ضنك العيش.
وخلافاً للتقديرات الصادرة عن بُعد، فإن التطورات المرتقبة بتحرير «عروس البحر الأحمر»، من شأنه وضع حد لمعاناة أكثر من 400 ألف من أبناء المدينة والمحافظة، وعودة حكم القانون إليها.
ومن حق الغيورين على اليمن واليمنيين، التفاؤل بالتطورات الجديدة المقترنة بانهيار جبهة الحوثيين، وتقهقرهم عن المدينة ومحافظتها، وبدء عودة أبناء اليمن إلى هذه المنطقة العزيزة من وطنهم، وشق الطريق نحو تحرير ما تبقى من أجزاء الوطن وبالذات العاصمة صنعاء، وتبديد شبح التغول واستباحة مختلف أوجه الحياة، التي ألحقت أفدح الأضرار بالمدنيين والمرافق المدنية، وبمؤسسات الدولة وبالاقتصاد الوطني، ومن الطبيعي أن يُصار خلال ذلك إلى بذل أقصى الجهد لتوفير الحماية للمدنيين، من لدن أبناء شعبهم أفراد الجيش اليمني وقوات المقاومة، ومن التحالف العربي الداعم بقوة لعودة الشرعية واستئناف الحياة الطبيعية، وهو التحالف الذي ضحّى بالغالي والنفيس ولم يبخل بالمهج والأرواح، حيث ارتقت ضمن إطاره كوكبة من الشهداء الإماراتيين والسعوديين، الذين لاقوا وجه ربّهم فداء لعروبة اليمن، ولتحقيق أهداف الشعب اليمني العزيز، وتلك هي بعض الوعود الإيجابية المبشرة التي تلوح في أفق تحرير الحديدة، وما يتلوها من إنجازات تتطلع الأنظار إليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"