تدهور علاقة اليابان وكوريا الجنوبية

01:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، أهم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يتسارع تدهورها. في حين أن إدارة ترامب لا تولي اهتماماً، ما قد يقوض جهود الولايات المتحدة للحفاظ على تحالف الديمقراطيات الآسيوية واحتواء الصين.

وكان تم توقيع معاهدة العلاقات الأساسية بين جمهورية كوريا واليابان في 22 يونيو من عام 1965 في طوكيو. وبموجب المعاهدة تمت استعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين الجارين منذ عام 1945 بعد أن تحررت كوريا من الاستعمار الياباني الذي دام 36 عاماً.

كانت شرارة النار قد اندلعت إثر إصدار المحكمة العليا بكوريا الجنوبية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 أمراً لشركة يابانية بدفع تعويضات لعمال كوريين أجبروا على العمل أثناء فترة الحكم الاستعماري الياباني، لكن جذور الأزمة كانت أعمق وتركت آثارها في جميع الاتجاهات.

وتقول طوكيو إن قرار المحكمة العليا ينتهك اتفاق 1965 الذي أقام علاقات دبلوماسية، والذي بموجبه أعطت اليابان كوريا الجنوبية المساعدات الاقتصادية التي كانت كوريا في أمس الحاجة إليها كتعويض عن العمل القسري؛ فاليابان لعبت دوراً محورياً في تطوير كوريا وتحقيق نموها الاقتصادي. لأن كوريا دولة معتمدة تماماً على الصادرات الصناعية وقد استوردت في نفس الوقت التكنولوجيا اليابانية في شكل مصانع وقطع وأجزاء للماكينات والآليات الصناعية من أجل تصنيع سلعها وبيعها في الأسواق الخارجية. ويشعر صناع السياسة اليابانية بالانزعاج لأن أصول الشركة اليابانية يمكن أن يجري الاستيلاء عليها إذا رفضوا دفع التعويضات، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات. لكن الكثير من الكوريين الجنوبيين يعتبرون حكم المحكمة العليا عادلاً. كان الرئيس الكوري مون نفسه محامياً في مجال حقوق الإنسان وكان يمثل في السابق دعوى في قضية ضد شركة ميتسوبيشي بسبب العمل القسري.

ويميل الليبراليون في كوريا الجنوبية إلى اعتبار اتفاقية عام 1965 معاهدة غير متكافئة فرضتها اليابان على بلد ضعيف لا يزال يتعافى من ويلات الحرب. وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2018، أغلقت كوريا الجنوبية مؤسسة أنشئت للمساعدة في رعاية النساء الكوريات - اللواتي يُعرفن ب «نساء المتعة» - كان تم تمويلها من قبل اليابان كجزء من اتفاقية ثنائية تم التوصل إليها عام 2015. واعترضت اليابان على الإجراء الكوري وأعلنت أنها ملتزمة بحزم بتنفيذ الاتفاقية وأنها ترفض أن تنتهك روح الاتفاقية أو الهدف منها.

كما أن هناك النزاع الإقليمي حول مجموعة من الجزر الصغيرة (دوكدو وفق كوريا) (تاكيشيما وفق اليابان). وتواصل اليابان تجديد مطالبها بالسيادة على تلك الجزر من خلال نشر الإرشادات التدريسية للكتب المدرسية للمدارس الثانية، والكتاب الأبيض الدفاعي.

ثم جاءت قضية تعرض طائرة استطلاع تابعة لليابان لاستهداف رادار صاروخي كوري جنوبي لتصب مزيداً من الملح على جرح العلاقات بينهما؛ ففي 29 ديسمبر /كانون الأول 2018، نشرت وزارة الدفاع اليابانية مقطع فيديو يدعم ادعاءها بأن سفينة تابعة للبحرية الكورية الجنوبية صوبت رادارها القتالي تجاه طائرة دورية يابانية، وتقول الوزارة إن المدمرة الكورية الجنوبية وجهت الرادار تجاه طائرة دورية من طراز P-1 تابعة لقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية فوق بحر اليابان في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول (2018) فيما وصفته بالعمل الخطير. ولكن كوريا الجنوبية تنفي الادعاء وتقول إن المدمرة كانت تستخدم راداراً للبحث عن سفينة كورية شمالية، ورفضت اليابان هذا التفسير وقالت إنه تم التعرف إلى سمات رادار قتالي بشكل مؤكد.

كذلك، فإن زعيمي البلدين على طرفي النقيض أيديولوجياً، فرئيس الوزراء الياباني (آبي) محافظ بينما الرئيس الكوري (موون) تقدمي، وكلاهما يعزفان على أنغام النزعات الشعبية، بينما يغذي الإعلام مشاعر العداء، ويخشى من أن الوضع بين البلدين سيزداد سوءاً. جاءت تلك التطورات السلبية رغم الروابط القوية بين الجيشين، وكانت كوريا الجنوبية قد وقعت مع اليابان مبدئياً على اتفاقية حماية المعلومات العسكرية في عام 2012، وصدقت الحكومة الكورية الجنوبية بعدها مباشرة على الاتفاقية خلال اجتماع مغلق لمجلس الوزراء في شهر يونيو /حزيران من نفس العام. ويتشاور الجانبان بشأن قضية نزع السلاح النووي الكوري الشمالي كما أن هناك علاقات اقتصادية كبيرة وتبادلاً سياحياً مستمراً ومتطوراً بين البلدين.

هذه العلاقة المختلة وظيفياً تهدد بتقويض المصالح الأمنية الأمريكية، وكان صناع السياسة الأمريكيون يمنون أنفسهم بأن تتلاشى ذكريات الحرب بمرور الوقت. لكن يبدو أن الجرح لم يندمل بعد لا في علاج الظلم التاريخي أو التخفيف من لهيب القومية بين الأجيال الشابة في شمال شرقي آسيا. ولذا لعب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما دوراً هاماً في إصلاح العلاقات بين البلدين وكان رتب لقمة ثلاثية في عام 2014 والتوسط في اتفاق عام 2015. على النقيض من ذلك، أظهرت إدارة ترامب اهتماماً أقل بل وارتباطاً أقل بحلفاء أمريكا الآسيويين، إن تدهور العلاقات بين البلدين يقوض استراتيجية واشنطن الجيوسياسية المتعلقة بالمحيط الهندي والباسيفيكي، التي تستهدف تحجيم نفوذ الصين وردعها في المنطقة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"