ترامب المُغرّد خارج المؤسسة

02:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
مر اختيار دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة بجميع مراحل التثبت (من صحة النتيجة) والتثبيت (تكريس النتيجة في الكونغرس)، بما يجعله بطبيعة الحال رئيساً شرعياً، وصل إلى سدة الرئاسة وفق صناديق الاقتراع وإن كانت منافسته نالت عدداً من الأصوات أعلى منه. في أماكن كثيرة في العالم ومنها داخل الولايات المتحدة، فقد وضع كثيرون أيديهم على قلوبهم، يوم الجمعة الماضية لدى تنصيب دونالد ترامب. لم يكن من المتوقع حدوث شيء دراماتيكي، وبالفعل فقد مرت مراسم التنصيب بسلاسة، وجرى اعتبار تعامل الرئيس مع سيدة البيت الأبيض حين دعاها لإلقاء كلمة وتمنعت، بأنه من الأخطاء التي تقع في كل عرس!. أما المتظاهرون في واشنطن وغيرها من المدن الأمريكية فقد كان عددهم أقل من المتوقع، والعنف الذي أبداه هؤلاء كان أكبر من المتوقع بما أفسد موقفهم الاحتجاجي.
أجل.. سار كل شيء كما كان متوقعاً، وبَرّ الرئيس الخامس والأربعون بوعده الانتخابي حين اعتبر أن التطرف الإسلامي يقع على رأس المخاطر، وإن كان لم يحدد مهلة مئة يوم لإنجاز اجتثاث هذا الخطر، أو إزالته عن وجه الأرض كما وعد سابقاً.
وقد جاء الخطاب شعبوياً، واعداً بإعادة الحكم إلى الشعب، وناقماً على نخبة واشنطن «المستفيدة»، ولم يتحدث عن القنوات والوسائل الدستورية التي سيؤدي اعتمادها لتحقيق هذا الغرض. الأمر الذي يشي بأنه لم يغادر بعد أسلوب الحملات الانتخابية، رغم أدائه القسم الرئاسي. وقد رسم صورة كئيبة داكنة لواقع أمريكا حيث اختفت الثروة والقوة والثقة، وحيث المصانع يعلوها الصدأ، وحيث تضاءل جيشنا للغاية وعلى نحو محزن، وقد جهر بذلك أمام الرؤساء السابقين كارتر وكلينتون وأوباما، بما بدا كأنها مرافعة ضد هؤلاء الذين قادوا أمريكا لسنوات طويلة.
وإلى ذلك فقد التزم ترامب برؤيته الانتخابية: أمريكا أولاً. والمشكلة في حديث كهذا أنه يتوقف عند البديهيات، فدول العالم المتقدمة والنامية والمتخلفة منها محكومة بمصالحها وبأولوياتها الوطنية. ولا جديد في حديث الوطنيات هذا. الجديد المطلوب من الدول الكبرى والمتقدمة أنها في الوقت الذي تحافظ على مصالحها وتنمي ثرواتها، فلا بد لها من بناء علاقات تعاون مع بقية الدول «الأقل حظاً» «على الأقل من أجل أن تضمن هذه الدول وجود أسواق في الخارج تجتذب صادرات الدول الغنية إليها. وما تحدث به الرئيس الجديد هو نوع من تدشين الانعزال، باسم الوطنية. وقد بدأ الخطاب في جانب منه، كمرافعة ضد العولمة، واتفاقيات التجارة الحرة، فالرئيس الجديد يريد إعادة أمريكا إلى بساطتها وعظمتها في الوقت نفسه، بإغلاق أبوابها، ورفع الجدران مع جيرانها، وصناعة الرخاء في الداخل ولو بوقف نظام الضمان الاجتماعي كما قال!. وهو نظام تقاعدي يضمن الاستقرار للطبقة الوسطى وبالذات الشرائح الضعيفة منها. ولعل الرجل قد تحدث عن الضمان الاجتماعي، وهو يقصد من طرف خفي نظام الرعاية الصحية المقترن باسم الرئيس المنتهية ولايته والمعروف ب(أوباما كير) والذي أقدم على إلغائه في أول قرار رئاسي له في البيت الأبيض، باعتبار أن الضمانات والحقوق الاجتماعية والنقابات تعتبر من النوافل، وذلك باعتبار أن العمال وبمزيد من العمل سوف يحققون الثراء الذي يجعلهم في غنى عن الحاجة إلى نقابات تمثلهم أو إلى أي مظلة حماية، وهذا خطاب رأسمالي تقليدي عفا عليه الزمن وذلك بعد أن نجح النظام الرأسمالي في العديد من البلدان في رعاية المتعطلين وغير العاملين، فما بالك بالعاملين الذين يُلقى على عاتقهم النهوض باقتصاد البلاد وسد مختلف حاجياتها..
ومع سعي الرئيس الجديد إلى الظهور بمظهر المخلّص الذي ائتمنه الشعب على مصير البلاد والعباد، فسوف تكشف الأسابيع المقبلة، أن ترامب رغم بلوغه السبعين، إلا أنه يتعمد التقليل من الدور الحاسم لآليات الحكم في بلاده، وحيث لا مناص للرئيس من التعاون مع الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وأخذ السلطة القضائية والمحكمة الدستورية في الاعتبار، لقد كان الرئيس السابق أوباما «حالماً» على طريقته، وكان يهجس بتحقيق العدالة للشعوب، غير أنه لم يلبث أن اصطدم بالمؤسسة، وأخذ ينخرط شيئاً فشيئاً في ال«سيستم». شيء من ذلك ينتظر الرئيس ترامب، فالمنصب السياسي (والعسكري) الرفيع الذي بات يحتله الرجل، يختلف كلياً عن عمله السابق في إنشاء الشركات وإدارتها وجني الأموال، فأمريكا رغم كل ما يقال فيها، أكبر بالتأكيد من أن تكون شركة.


محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"