ترامب على مسرح العزل

03:35 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

المواجهة الحادة، التي يخوضها الجمهوريون والديمقراطيون في مجلس الشيوخ حول محاكمة الرئيس دونالد ترامب بهدف عزله، تؤشر على وجود أزمة عميقة في النظام الأمريكي، أكثر من كونها إجراء لمحاسبة رئيس متهم بتجاوز سلطاته وتعريض الأمن القومي للخطر، فكل الرؤساء الأمريكيين تقريباً تجاوزوا صلاحياتهم في ميادين شتى داخلية ودولية، ولكن شيئاً ما هو الذي يدفع إلى هذا التصعيد والحرب السياسية المفتوحة.
على مسرح «المحاكمة التاريخية» صعد ممثلو الادعاء والدفاع وتنصبت هيئة التحكيم، بينما المتهم في مكان آخر يستخف من دافوس بكل ما يجري، يعدد إنجازاته الاقتصادية ويتغنى بغزواته التجارية وتهديداته لكل من يراه خصماً، وهو بذلك غير آبه بالمحاكمة ونتائجها، بل هو مطمئن، لأن فرضية عزله تبدو مهمة شبه مستحيلة لاعتبارات عدة، منها أن أغلبية جمهورية تسيطر على مجلس الشيوخ، وأن الاتهامات الموجهة لا ترقى بالفعل إلى درجة الجريمة الفادحة، بحسب بعض الخبراء، ولكن نتيجة المحاكمة يمكن أن تكون سلاحاً فعالاً في المعارك السياسية المقبلة ومنها الانتخابات الرئاسية المقررة بعد عشرة شهور، إذ سيقول الديمقراطيون لأنصارهم إنهم فعلوا كل ما بوسعهم في التصدي لسياسات ترامب ومخالفاته، مراهنين على إمكانية إزاحته عن البيت الأبيض لإعادة التوازن للسياسة الأمريكية التي يرون أنها انحرفت أيما انحراف، كما يقولون.
بالمقابل لن يهدأ ترامب بعد النجاة من أزمة العزل، والأغلب أنه سيطلق حملته الانتخابية المبكرة، وسيلجأ إلى مهاجمة خصومه أينما كانوا بكل ما يمتلك من أدوات، وهو توجه سيكون محفوفاً بالمخاطر. ولذلك فإن الأشهر المقبلة ستكون قاسية سياسياً على النخب الأمريكية. ومثلما سيعتبر بعض غلاة الجمهوريين إحباط خطة عزل ترامب «نصراً عظيماً»، سيرى الديمقراطيون في فشلهم «إهانة» لحزبهم ومرشحيه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
نتيجة المحاكمة الثالثة، في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، ستكون تداعياتها خطيرة لأسباب موضوعية، لاسيما أنها تخص رئيساً مهتماً بالفوز بولاية ثانية، ففي العام 1974 قطع الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الطريق على محاكمة عزله بتقديم استقالته قبل تصويت مجلس النواب على لائحة الاتهام، وبذاك انطوت فضيحة «ووتر غيت». وفي العام 1999، نجا بيل كلينتون من العزل بفضل تصويت مجلس الشيوخ ضد الإجراء، وكان كلينتون في نهاية ولايته الثانية، وقد مرت المحاكمة دون كثير من الضجيج، ولكن الديمقراطيين عوقبوا في انتخابات 2000 بعد فوز الجمهوري جورج بوش الابن بنتيجة مازالت تثير الجدل إلى اليوم.
هذه المحاكمة معركة أمريكية- أمريكية، تطغى عليها كثير من الحسابات بين الحزبين الكبيرين وبينهما رئيس غير تقليدي يصعب تصنيفه سياسياً بسبب تقلباته وعمليات البيع والشراء التي يطبقها على كل شيء بدءاً من الأشخاص والدول، وصولًا إلى المصالح الأمريكية والعالمية. وبعد المحاكمة ستتواصل فصول هذه المسرحية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"