ترامب وكيم والبحث عن «صفقة»

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

مجدداً قام الرئيس ترامب بتصرف غير متوقع عندما غرّد عبر «تويتر»، قبيل مغادرته قمة العشرين في أوساكا، عارضاً على الرئيس الكوري الشمالي الالتقاء معه في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين. وهذا ما حصل، ففي ٣٠ يونيو/حزيران الماضي. خطا ترامب خطوة تاريخية لم يخطُها أي رئيس أمريكي قبله منذ نهاية الحرب الكورية في العام١٩٥٣؛ إذ إنه لم يكتفِ بمصافحة زعيم كوريا-الشمالية على الحدود الموروثة من الحرب الباردة، بل اجتازها إلى أراضي هذه الأخيرة سيراً على الأقدام.
خطوة ترامب هذه مشحونة بالرموز، وتعني على الأقل أنه عازم على الاستمرار في المسار الذي افتتحته قمة سنغافورة «التاريخية» في ١٢ يونيو/حزيران ٢٠١٨، والمحافظة على الصداقة التي باتت تجمعه ب«كيم» كما يناديه، والتي تؤكدها رسائل الصداقة المتبادلة، وآخرها رسالة تهنئة كيم لترامب بعيد ميلاده في ١٤ من الشهر المنصرم، والتي صيغت بعبارات فيها الكثير من الود والمحبة. لكن هذه العلاقة المستجدة بين الزعيمين لا تخفي الخلاف الكبير المستمر والذي عبر عنه الفشل الذريع لقمة هانوي بينهما في ٢٨ فبراير/شباط المنصرم.
واللقاء الثالث بينهما، بمبادرة من ترامب تحديداً، يعكس الرغبة بالإبقاء على الدينامية الإيجابية التي انطلقت منذ عام، والبحث المستمر عن «صفقة» ترضي الطرفين.
لقد اصطدمت موجة التفاؤل العارم، التي هبت على شبه الجزيرة الكورية غداة قمة سنغافورة الأولى، بجدار فشل قمة هانوي الثانية، والتي لم يصدر عنها مجرد بيان مشترك. وسبب الفشل يعود، بحسب ترامب، إلى أن الكوريين-الشماليين عبّروا عن جاهزيتهم لإغلاق مجمع يونج بيون النووي في مقابل الرفع النهائي للعقوبات التي صوتت عليها الأمم المتحدة ضد بلادهم. لكن هذه الصفقة لم ترضِ ترامب؛ لأن أسراراً كثيرة تحيط بهذا المجمع الذي بنته بيونج يانج في العام ١٩٦٠، وهو يبعد عنها حوالي مئة كيلومتر، ويضم عشرات المباني؛ حيث ترتبط النشاطات كلها بالبرنامج النووي، وحيث بدأ المفاعل الأول بالعمل بقوة خمسة ميجاوات في العام ١٩٨٦قبل أن يتم تطويره وتحديثه. وتفكيك هذا المجمع النووي، على أهميته، لا يعني الانتهاء من البرنامج النووي الكوري-الشمالي؛ لأن بيونج يانج تقوم بتخصيب اليورانيوم في مفاعلات أخرى داخل البلاد، وهي تمتلك ما بين خمسين وستين رأساً نووياً موجودة في مخابئ تحت الأرض موزعة في كل أراضي البلاد.
تطالب الولايات المتحدة بالانتهاء من كل البرنامج النووي الكوري-الشمالي، وذلك في مدة أقصاها بداية العام ٢٠٢١، وللمرة الأولى تحدد تاريخاً واضحاً على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، وذلك قبل رفع العقوبات، الأمر الذي تعتبره بيونج يانج شرطاً تعجيزياً.
في المقابل يقول الكوريون الشماليون، على لسان وزير خارجيتهم ري يونج هو، بأنهم لم يطلبوا قَطّ الرفع الكامل للعقوبات، ولكن لجزء منها فقط، وتحديداً تلك المنصوص عليها في خمس قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي بين العامين ٢٠١٦ و٢٠١٧، وهي التي تخنق الاقتصاد والشعب الكوريين-الشماليين، وذلك من أصل ١١ قراراً أممياً صدرت منذ العام ٢٠٠٦، في مقابل ذلك تقوم بيونج يانج بالتفكيك الكامل لكل البنى التحتية للإنتاج النووي في مجمع يونج بيون. «ليس هناك من صفقة أفضل» بحسب ما أعلن وزير الخارجية الكوري-الشمالي.
ويبدو أن الكوريين-الشماليين يتصرفون بحنكة؛ إذ إن القرارات الخمسة المذكورة هي الأقسى والأفعل، وإلغاؤها يعيد كوريا-الشمالية إلى قلب الاقتصاد العالمي والاستثمارات الأجنبية، لاسيما الكورية-الجنوبية منها، في حين أن العقوبات الأخرى يمكن التعايش معها بسهولة نسبية.
وهكذا لا تزال «الصفقة» بعيدة المنال. بيونج يانج تسعى للخروج من الحصار الاقتصادي، والاستمرار في تحسين علاقتها بجارتها الجنوبية، وواشنطن يهمها النووي فقط. وكل الخبراء يعلمون أن بلداً يملك القنبلة النووية لا يتخلى عنها في مقابل وعود مبهمة عامة، لاسيما أنها صادرة عن «عدو» تاريخي يصعب الوثوق به وبوعوده.
ويبدو أن الرئيس ترامب يحرص على عدم العودة إلى الوراء في العلاقة المستجدة مع نظيره الكوري-الشمالي، ولو اقتصرت هذه العلاقة على المصافحات والابتسامات والوقوف أمام عدسات الكاميرا، في انتظار «الصفقة» الموعودة، والتي تدل المؤشرات بأنها لن تحصل إلا بشروط كوريا-الشمالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"