ترامب يستنسخ بوش

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
لن ينتظر العالم طويلاً قبل أن يسمع أصوات طبول الحرب آتية من واشنطن. الإدارة اليمينية الجديدة تبدو متحمسة ومفتونة باستعراض القوة. وفي ظل وجود خطر الإرهاب فلن تحتاج للبحث عن ذرائع مقبولة وشرعية لتبرير إطلاق أولى حروبها. وبما أن الرئيس ترامب أعلن أنه يعتزم اجتثاث «داعش» من على وجه الأرض فقد أصبح ميدان الحرب التي سيستهل بها عهده معروفاً: أنه الشرق الأوسط. والبداية بالطبع ستكون من العراق وسوريا؛ حيث ينتشر التنظيم، دون استبعاد تمدد العمليات بعد ذلك لبلدان أخرى.
الترجمة السياسية لعبارات ترامب الأثيرة مثل «أمريكا أولاً» و«إعادة أمريكا عظيمة مجدداً» تفيد بأنه حان الوقت للعودة إلى زمن التدخلات الخارجية والحروب الاستباقية وفقاً للتعبير الذي صكه الرئيس الأسبق جورج بوش. توحي كل الدلائل أن الإدارة الحالية بصقورها المحافظين ستكون استنساخاً لإدارة بوش. وليست عبارات ترامب تلك سوى إعادة صياغة مهذبة لصرخة بوش الشهيرة بعد هجمات سبتمبر «من ليس معنا فهو مع الإرهاب».
وإذا كانت إدارة بوش قد ضمت مجموعة من غلاة المحافظين الجدد يتقدمهم نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد فإن الإدارة الحالية تضم صقوراً يمينيين لا يقلون شراسة وتعطشاً للحرب في مقدمتهم وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس. شارك ماتيس وهو ضابط سابق في مشاة البحرية «المارينز» في حربي العراق وأفغانستان. ويتهمه دعاة حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب خلال قيادته لمعركة الفلوجة في العراق عام 2004، فضلاً عن مسؤوليته عن هجوم جوي على حفل أسفر عن مقتل 40 مدنياً قرب مدينة القائم العراقية في نفس العام.
وخلال جلسة الاستماع التي تحدث فيها أمام الكونغرس للتصديق على ترشيحه أعلن ماتيس رفضه تقليص الإنفاق العسكري معتبراً أن ذلك يضعف قدرة بلاده على مواجهة التهديدات التي حدد مصادرها بأنها روسيا والصين والإرهاب. وموقفه المتشدد من إيران معروف وكان سبباً في إبعاده عن رئاسة القيادة المركزية لخلافه مع توجهات أوباما المهادنة لطهران.
لن يكون ماتيس الملقب بـ «الكلب المجنون» وحيداً في حماسه للحرب داخل الإدارة فهناك من لا يقل تشدداً عنه مثل مايك بومبيو رئيس المخابرات، ومايكل فلين مستشار الأمن القومي وهو أيضاً جنرال سابق. وبجانبهم يوجد يميني عنيف هو جيف سيشن المدعي العام «وزير العدل». ثم أكثرهم تطرفاً وهو ستيف بانون كبير مستشاري ترامب.
ومن الطبيعي أن تكون الخطوة الأولى لأي مغامرة عسكرية جديدة هي زيادة الإنفاق الدفاعي وهو أمر مفروغ منه على ضوء تصريحات ترامب نفسه وفي ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس. ولن يكون غريباً أن يتم تعديل قانون ضبط الميزانية الدفاعية لعام 2011 والذي نص على استقطاع 487 مليار دولار من الإنفاق الدفاعي على مدى عقد من الزمان.
إذا قدر لهذا التحرك أن ينجح فإنه يعني أن الولايات المتحدة مقبلة على قفزة تاريخية غير مسبوقة في إنفاقها العسكري. وأن مستويات الإنفاق الفلكية الحالية ستكون متواضعة مقارنة بما سيتم ضخه من أموال خلال حكم ترامب. نشير هنا إلى دراسة مهمة حول الإنفاق العسكري أجراها «معهد واطسون» التابع لجامعة براون ونشرت في سبتمبر من العام الماضي. كشفت الدراسة عن أن تكلفة الحروب الأمريكية بلغت 4,79 تريليون دولار في الفترة من 2001 حتى 2016.
يشمل هذا الرقم الإنفاق على العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان وسوريا وباكستان والعمليات الخارجية المختلفة. يضاف إليه 103 مليارات دولار مطلوبة لعام 2017. وتكلفة الحروب هذه تشمل أنشطة مكافحة الإرهاب والرعاية الصحة للمحاربين إلا أنها لا تتضمن خسائر الاقتصاد بسبب الحروب أو تمويل حروب دول أخرى.
باختصار هذه الأطنان من الأموال المسكوبة على القتال ستصبح مجرد قطرة صغيرة في بحور المال التي ستهدرها الإدارة الحالية لتمويل حروبها لكي تعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"