تركيا وحلم الإمبراطورية

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

بات واضحاً أن التدخل العسكري العلني التركي في ليبيا كان مبيتاً، وليس الاتفاق العسكري وترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة الوفاق غير الشرعية إلا مجرد إعلان عن هذا التدخل الذي بدأ في ليبيا منذ سنوات بهدف تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على الثروات الليبية، ومحاصرة مصر التي يعتبرها تنظيم الإخوان الدولي العمود الفقري للجماعة في حال الاستيلاء على الحكم فيها مجدداً.
وكان الجهد التركي منصباً من قبل على إرسال مدربين من الجماعات الإرهابية في سوريا وخبراء متفجرات أتراك لتدريب عناصر إخوانية في ليبيا، وإرسالها إلى مصر عبر الحدود الغربية لمصر. ومع ظهور اللواء خليفة حفتر وتصفية الجماعات الإرهابية في شرق وجنوب لليبيا باتت المخاطر تهدد حكومة السراج في طرابلس التي كانت في الواقع رهينة الجماعات والميليشيات المتناحرة المستفيدة من حالة الفوضى ونهب إيرادات النفط. فالتدخل التركي هو محاولة لإنقاذ حكومة السراج الخاضعة لإملاءات فرع الإخوان في ليبيا. ولعل زيارة أردوغان إلى تونس، وحديث مسؤولين أتراك عن حلف تركي - ليبي- تونسي - جزائري كان يعبر عن طموح تركي، وليس عن واقع، فالجزائر التي انعقد مجلسها الأمني الأعلى لبحث التطورات في ليبيا، ليست دويلة حتى تنصاع لتركيا، كما أن تونس في غنى عن نقل المعركة والاضطراب إلى أراضيها على الرغم من أن جماعة النهضة الإخوانية في سدة الحكم، فالوضع الداخلي التونسي لا يحتمل اللعب بالنار، وقد نفت تونس أن يكون هناك مثل هذا الحلف.
تريد تركيا التي ألهبت الوضع في سوريا في بداية أحداث سوريا أن تعبث باستقرار شمال إفريقيا، وعينها على الجماعات الإرهابية التي كانت متحالفة معها في سوريا، حيث توجد جماعات مماثلة في مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد، وفلول منها في جنوب الجزائر. فالنظام التركي الذي توغل في الأرض السورية نجده يتوغل في ليبيا، ويحشد مسلحين من التركمان سوريين ومرتزقة من فصائل المعارضة السورية، ليكونوا وقوداً للحرب التركية في ليبيا، وهي حرب هدفها السيطرة على النفط والغاز، وتهديد الحدود الغربية لمصر. فالأتراك لديهم مشروع الخلافة ومقرها إسطنبول الذي لم يعد سرياً، وينص على إقامة كونفدرالية بزعامة تركيا تضم 12 قطراً عربياً، أي إعادة الدولة العثمانية باسم الإسلام، لتحكم في عدد من الأقطار العربية.
فالمخطط الذي أعلن عنه، مؤخراً، عدنان تاندوري المستشار العسكري لأردوغان في مقابلة تلفزيونية يرمي إلى تدريب شبان من كل البلدان الإسلامية لإقامة كونفدرالية عاصمتها إسطنبول للتسريع بعودة المهدي المنتظر لإقامتها، وهذه الفكرة مرتبطة عضوياً بفكر الصهيونية التي أقيمت عليها دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، أي ضرورة إقامة دولة يهودية للتعجيل بقدوم المسيح اليهودي الذي سيحكم العالم، وهي نفسها الفكرة التي ينظر إليها أتباع الكنيسة الإنجيلية الصهيونية في الولايات المتحدة، وتنص على أن إقامة دولة يهودية تعجل بقدوم المسيح الإنجيلي الذي سيخير اليهود بين الذبح أو اتباع المسيحية. فالكل ينتظر شخصية غيبية للترويج لطموحاته التوسعية في عالمنا العربي. وإعادة الإمبراطورية العثمانية حلم للنظام التركي تبناه الإخوان الذين يسعون إلى دولة الخلافة أيضاً. فمن بين سبعين سلطاناً عثمانياً اتخذوا الدين منصة للهيمنة على العالم العربي لقرون اتسمت بالظلامية، لم يحج أي منهم قط، ومن بين 111 خليفة حكموا بلاد المسلمين تحت مسمى الخلافة لقي 79 منهم حتفهم قتلاً بيد المقربين، فالخلافة الحقة انتهت بالعصر الراشدي.
التدخل التركي في ليبيا لن يكون نزهة حتى لو اعتمد على مرتزقة من الخارج، فالشعب العربي الليبي يبقى شعباً عربياً منتمياً إلى عروبته، وليس كما زعم الرئيس التركي أن هناك مليون ليبي من أصول تركية، وهي مزحة تاريخية لا تستقيم مع الواقع، ولن تكون الساحة الليبية إلا مقبرة للغزاة كما كانت، وإن السراج لن يكون إلا شبيهاً بخاير بك حاكم دمشق الذي انحاز إلى جيش سليم الأول في معركة مرج دابق، وكان السبب في هزيمة الجيشين المصري والشامي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"