تعقيدات «خريطة الطريق» العراقية الأمريكية

02:45 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

قبل وقوع الهجوم على منشآت شركة هالبيرتون، كانت هناك مؤشرات ترجح إمكانية التوصل إلى «خريطة طريق» حتى لو كانت ضمن عملية إعادة انتشار في العراق.

الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له منشآت شركة «هالبيرتون» النفطية الأمريكية قرب مدينة البصرة جنوبي العراق، وإن كان لم يتسبب في أضرار أو إصابة ضحايا، إلا أنه يحمل الكثير من الدلائل التي تؤكد أن التهديدات المتصاعدة بين الجانب الأمريكي من ناحية، وبين عدد غير قليل من التنظيمات والميليشيات الموالية لإيران، باتت تدفع الطرفين إلى مواجهة عسكرية لن تكون إيران بمنأى عنها، على الرغم مما قد يبدو من حرص متبادل على تجنب هذه المواجهة، وبالتحديد في إطارها الأمريكي الإيراني؛ نظراً للظروف الداخلية شديدة الصعوبة بسبب ما يفرضه الانتشار المخيف لفيروس كورونا من تحديات وتهديدات داخلية، تجعل كلاً منهما بعيداً عن ترف التورط في مواجهة عسكرية، وتفرض عليهما إبداء كل الحرص على إبقاء أي مواجهة عسكرية ضمن إطار ما قد يبدو «توافقاً غير معلن» بين واشنطن وطهران، يحمل مسمى «اشتباكات الضرورة».

الالتزام المتبادل بقبول صيغة «اشتباكات الضرورة» بات مهدداً بعد هذا الهجوم الذي وقع يوم الاثنين الفائت على منشآت شركة هالبيرتون النفطية الأمريكية؛ لأنه سيفرض ضغوطاً على الإدارة الأمريكية للتشبث بوجودها العسكري في العراق لحماية مصالحها الاقتصادية، كما أنه ربما يحول دون التوصل إلى ما تأمله حكومة تسيير الأعمال العراقية برئاسة عادل عبد المهدي من دفع الحوار مع الإدارة الأمريكية قدماً، للتوصل إلى «خريطة طريق» بشأن مطالب تنفيذ القرار الصادر عن البرلمان العراقي، بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق، وهو القرار الذي جاء بتوصية من عادل عبد المهدي شخصياً.

قبل وقوع الهجوم على منشآت شركة هالبيرتون، الذي جرى تصنيفه على أنه «اعتداء على مصالح اقتصادية أمريكية»، كانت هناك مؤشرات متعددة ترجح إمكانية التوصل إلى مثل «خريطة الطريق» هذه، حتى لو كانت ضمن عملية «إعادة انتشار للقوات الأمريكية في العراق» كمقدمة لمعالجة أوسع للوجود العسكري الأمريكي، وبالتحديد خروج القوات الأمريكية من العراق.

من بين هذه المؤشرات، اتجاه الأمريكيين إلى تنفيذ عملية «إعادة انتشار» اختيارية لقواتهم بالانسحاب من عدد من القواعد العسكرية إلى أخرى، وسواء كانت هذه الخطوة تفادياً للتعرض لاعتداءات من جانب تنظيمات وميليشيات عراقية معادية للوجود العسكري الأمريكي في العراق، وفقاً

لمعلومات استخباراتية أمريكية، أم كانت ضمن تركيز الوجود العسكري الأمريكي في قواعد بعينها، يمكن الدفاع عنها مثل «قاعدة عين الأسد» وغيرها، فإنها كانت تتضمن إدراكاً أمريكياً بتصعيد العداء ضد الوجود العسكري في العراق، فضلاً عن أن ظروف الانتخابات الأمريكية وبعدها ظروف انتشار وباء كورونا، فرضت على واشنطن التفكير بجدية في خوض حوار مع الحكومة العراقية لوضع «خريطة طريق» تنظم الوجود العسكري الأمريكي في العراق، ضمن مراجعة تأخذ في اعتبارها المتغيرات الجديدة التي باتت تفرض هذه المراجعة.

من بين هذه المؤشرات أيضاً، القرار الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بسحب قواتها من العراق. وربط اللواء عبد الكريم خلف القائد العام للقوات العراقية، ذلك بإيضاح أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أخلى «قاعدة القائم» على الحدود السورية العراقية، وأن القيادة العسكرية الأمريكية تخطط لانسحاب وشيك من قاعدتين أخريين من مجموع

ثمان لها. ويبدو أن هذا الانسحاب الفرنسي أزعج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي شن انتقادات لاذعة بحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدتين متلاحقتين؛ الأولى انتقد فيها الرئيس الفرنسي بسبب الضرائب المرتفعة التي كانت الحكومة الفرنسية قررت فرضها على الشركات الرقمية وأغلبيتها أمريكية، والثانية كانت بخصوص «الوساطة» التي كان يسعى ماكرون للقيام بها بين الولايات المتحدة وإيران، وحذره فيها ترامب «من التحدث باسم الولايات المتحدة»؛ الأمر الذي استدعى تدخلاً من وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان دافع فيه عن الدور الفرنسي، وأكد أن فرنسا «تعبر عن موقفها، وهي تلتزم بقوة بالسلام والأمن في المنطقة».

هذا التلاسن المتبادل يكشف «هشاشة» أخذت تعتري العلاقة بين أركان التحالف الدولي في العراق، وهو أمر كانت ومازالت له أصداؤه على قرار واشنطن المنتظر بخصوص مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق.

على الجانب الآخر، هناك ضغوط تعرقل أي جدية أمريكية للانسحاب من العراق؛ بل تهدد بتصعيد متبادل مع الميليشيات والتنظيمات الموالية لإيران، خاصة بعد أن أصدرت ثمانية فصائل عراقية بياناً توعدت فيه بالتصدي والرد على ما سمتها «الاعتداءات الأمريكية»، واتهمت رئيس الوزراء المكلف عادل الزرفي بأنه «مرشح الاستخبارات الأمريكية».

هذا التصعيد تزامن مع تداعي فرص عادل الزرفي في الحصول على تصويت لصالحه من مجلس النواب، ما يعني أن واشنطن لن تخاطر بإجراء حوار حول «خريطة طريق» لتنظيم وجودها العسكري في العراق، في ظل وجود رئيس حكومة جديد يمكن التفاهم معه، حول كيفية حماية المصالح الأمريكية في العراق، كما أن عادل عبد المهدي الذي يترأس حكومة تسيير أعمال لا يصلح لهذه المهمة؛ نظراً لحالة عدم الاستقرار التي تحيط بحكومته وتعرقل أداءها لمهامها.

وجاء الهجوم الأخير على شركة هالبيرتون النفطية الأمريكية ليفرض ضغوطاً جديدة على الإدارة الأمريكية للتريث في البحث في هذه الخريطة، ولعل ما يؤكد ذلك، إعطاء الإدارة الأمريكية الأولوية الآن لدعم الوجود العسكري النوعي الأمريكي في العراق، سواء عبر تركيز هذا الوجود في عدد أقل من القواعد التي يمكن الدفاع عنها، أو بنشر بطاريات صواريخ «باتريوت» في هذه القواعد؛ الأمر الذي بات يهدد بتصعيد عسكري منتظر في العراق، ربما يتجاوز حدود ما كان يعرف ب«اشتباكات الضرورة» على الأراضي العراقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"