تفاعلات ممتدة حول الاتفاق النووي

05:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تفاعلات الموقف الدولي بخصوص الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب لم تتوقف، ولم تستقر عند التعارض بين الموقفين الأوروبي والأمريكي، وذلك بعد إعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق. ذلك أن الترابط بين النظام المالي الأوروبي والأمريكي على سبيل المثال، لا يسمح للجانبين على المدى البعيد باتخاذ مواقف مستقلة لكل طرف عن موقف الآخر. ورغم الاتفاق المبدئي بين الأطراف الأوروبية على الالتزام باتفاق فيينا لعام 2015، إلا أن هناك بعض التباين في مواقف الأطراف الرئيسية، وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وبما يخص فرنسا، ومنه موقفها الرسمي المعلن حتى تاريخه بالالتزام بالاتفاق، إلا أنها تتميز بإعلانها أن اختلافها مع واشنطن يكمن في أنه لا يمكن الخروج من الاتفاق السداسي، في غياب اتفاق بديل، وأن الحاجة تقضي تبعاً لذلك بحوار شامل مع طهران بغية التوصل إلى تفاهمات جديدة.
ومغزى ذلك أن الاعتراض الفرنسي يتركز على انتفاء وجود اتفاق آخر، وغياب السعي لإبرامه. وإذ اعترضت باريس على الانسحاب الأمريكي من طرف واحد من اتفاق جماعي، فإنها تعترض في الوقت ذاته على أي محاولة من طهران لاستغلال الموقف الأمريكي من أجل العودة إلى التخصيب، وفي ذلك واظبت باريس على التأكيد بأنها تحترم الاتفاق ما دامت طهران تلتزم من جانبها به.
وتنفتح باريس في الوقت نفسه على الدعوة إلى اتفاق يشمل الصواريخ الإيرانية وسلوك إيران في المنطقة، وهذا هو فحوى تصريحات الناطقة بلسان الخارجية الفرنسية آنييس فان دور مول يوم 22 مايو(أيار) الماضي التي ذكرت فيها، «ما زلنا قلقين بشأن نشاطات إيران الباليستية وتواجدها عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط بشكل مباشر أو غير مباشر، ولهذا السبب نريد خلق إطار للحوار الشامل مع إيران، ونتمنى أن تفهم إيران المصلحة من وراء ضرورة التعاون». وبهذا يتبيّن مجدداً أن باريس تتخذ موقفاً وسطياً، يراعي الاتفاق النووي من جهة، ويلتزم من جهة ثانية بمطالبات خليجية ودولية، تقضي بالحد من تدخلات إيران في المنطقة، وذلك كجزء لا يتجزأ من أي اتفاق مع طهران. وهو ما ترفضه الأخيرة التي تراهن عن خطأ على إمكانية توسيع شقة الخلاف الأوروبي - الأمريكي.
وأبعد من ذلك، فقد عمدت طهران في الأيام الأخيرة إلى محاولة استغلال الخلاف على ضفتي الأطلسي، من أجل الضغط على أوروبا كي تتبنى أجندة إيرانية!. وهذا هو فحوى مشروع تقدم به مئة نائب في مجلس النواب إلى المجلس لاعتماد شروط على أوروبا، وإسباغ صفة القانون على هذه الشروط. وتشمل هذه الشروط أن تتبنى الدول الأوروبية في مجلس الأمن قراراً يدين «نكث أمريكا بالتزاماتها»، وعدم بحث المسائل المتعلقة بالصواريخ والقضايا الإقليمية الإيرانية تحت أي شرط كان، ومواجهة أي نوع من أنواع العقوبات تفرض على إيران، وإلزام المصارف الأوروبية باستلام ودفع كافة الأصول والأموال المترتبة على التجارة الحكومية والخاصة مع إيران. وهي شروط يُفرط واضعوها بالطموح إلى فك عرى الارتباط والترابط بين أوروبا والولايات المتحدة، واستبدالها بروابط أوروبية مع إيران. ومن شأن هذه الشروط أن تثير ردود فعل عكسية، وهو ما يتبدى في انسحاب شركات أوروبية عملاقة في مجال الطاقة والغاز من الاستثمار في إيران. وببساطة لأن هذه الشركات تخشى من أن تشملها العقوبات، وخاصة مع لجوء البيت الأبيض إلى أسلوب الصدمات لا الاحتواء.
وبما أن الموقف الفرنسي يقوم على التجسير بين واشنطن والشركاء الأوروبيين، وكذلك مع موسكو وبكين، فإن عنوان المرحلة المقبلة مرشح لأن يتلخّص في الحاجة إلى اتفاق أو ملحق جديد يضاف إلى الاتفاق، يشمل الصواريخ التي استهدفت السعودية في الآونة الأخيرة، والتدخلات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في شؤون المنطقة، وإطالة أمد وقف التخصيب، وذلك في ضوء رفض طهران حتى تاريخه التوصل إلى تفاهمات حول هذه المسائل، ومحاولتها استغلال الانسحاب الأمريكي من الاتفاق لتتحلل من التزاماتها النووية.
وفي جميع الأحوال فإن النظام الدولي ممثلاً بالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، يقف أمام اختبار جدي، لوقف الطموحات النووية في منطقتنا من أي جهة كانت، ورفض أن تتحكم دولة ما بمصير الأمن والسلم في الشرق الأوسط وفي الجوار الأوروبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"