ثقب أسود في الساحل الإفريقي

04:15 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

ربما يأتي قرار فرنسا بتعزيز قواتها في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية متأخراً بعض الشيء، بالنظر إلى التطورات الدراماتيكية والأمنية الجارية؛ إثر هجمات إرهابية دامية ضربت في الفترة الأخيرة مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ثم إعلان الولايات المتحدة نيتها خفض انتشارها العسكري في القارة الإفريقية، فضلاً عن مواقف محلية مناوئة للسياسة الفرنسية، واتهامها بالسعي إلى استعادة مجدها الاستعماري.
المشهد الذي يتشكل في تلك المنطقة الواسعة لا يبعث على الاطمئنان، ويدعو إلى التفكير والتأمل فيما يمكن أن يؤول إليه الوضع؛ حيث إن المعطيات المتوافرة توحي وكأن هناك إعداداً مبيتاً لمسرح جديد للفوضى والإرهاب، تتشارك في صياغته أطراف عدة بعضها بشكل مباشر والآخر يعمل بالوكالة. وكما هي الحال في أزمات سابقة؛ يلعب الالتباس والغموض دوراً في حياكة ما يجري، ويعتم على بعض التفاصيل المحمولة على الاشتباه أكثر من الوضوح. وتجنباً للأسوأ عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة في مدينة «بو» جمعته برؤساء تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس المجلس الأوروبي، في محاولة لتعزيز التعاون العسكري بين دول المنطقة؛ لمواجهة التمرد الإرهابي المتصاعد. وبالتزامن مع هذه القمة، ورد من واشنطن خبر «مشؤوم» يفيد بأن الولايات المتحدة تدرس خفض عديد قواتها في القارة الإفريقية؛ وهو ما عدّه ماكرون موقفاً مفاجئاً، وفي غير وقته، معرباً عن أمله في إقناع الرئيس دونالد ترامب بالعدول عنه.
ليبيا، التي أصبحت صداعاً مزمناً؛ بسبب الفوضى المستمرة التي تجتاحها، واستباحتها من قبل كيانات متطرفة وأجندات أجنبية، لم تكن غائبة عن قمة «بو» الفرنسية؛ لقناعة جميع الأطراف بأن المدخل الحقيقي لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، يمر عبر حل الأزمة الليبية، واستئصال جميع الفصائل الإرهابية ذات الصلة بالجماعات المنتشرة في منطقة بحيرة تشاد، التي تضم: تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا، إضافة إلى مالي وبوركينا فاسو؛ وهي منطقة بدأت تتصدر في الفترات الأخيرة نشرات الأخبار بأنباء الهجمات الإرهابية التي لا تفرق بين عسكريين ومدنيين، وأسفرت في مجموعها عن مئات الضحايا، وحالة من عدم الاستقرار.
أسئلة كثيرة تطرح في منطقة الساحل الإفريقي في هذه المرحلة، وليس هناك إجابات شافية عنها؛ من ذلك تزايد «شعور العداء» لفرنسا؛ القوة الاستعمارية السابقة، التي تنشر قواتها منذ سبع سنوات في مالي، وترتبط بتلك الدول بعلاقات تاريخية ليس هذا أوان تقييمها؛ لكن عندما يطرح هذا العداء في وقت تتحدث فيه الولايات المتحدة عن نيتها سحب قواتها من المنطقة، وتتقدم قوى أخرى؛ مثل: روسيا والصين، تخرج مثل هذه المعطيات عن سياقها الطبيعي لمصلحة تكهنات كثيرة؛ منها أن الصراع الدولي على إفريقيا ربما بدأ في هذا الثقب الأسود في دول الساحل الإفريقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"