ثمن التغيير في العراق

03:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

مصطفى الكاظمي أمامه فرصة تاريخية ليكون على رأس قوى التغيير التي بمقدورها إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة وإنهاء حكم المحاصصة.

كثيرون في العراق يعتقدون أن «التغيير» قادم لا محالة، ويرون أن الشارع السياسي العراقي، الذي استطاع أن يتحدى جبروت الميليشيات يعد من أهم ضمانات حدوث هذا التغيير بشقيه: إنهاء حكم «الطائفية السياسية» وآلية المحاصصة وتغيير الطبقة الحاكمة الحالية. لكن، وعلى الرغم من رجاحة هذا التوقع أو «الحلم» الذي يراه آخرون «حلماً عبثياً»، هناك ركيزتان أساسيتان تدعمان معاً الإبقاء على الواقع السياسي - الاقتصادي- الأمني الرديء كما هو: توازن القوى الذي يحكم ويدير القرار السياسي داخل العراق من ناحية، وتوازن الاستقطاب وأحياناً «صراع الاستقطاب» لمقاليد القوة السياسية والأمنية في العراق بين واشنطن وطهران من ناحية أخرى.

التفاعل بين هاتين الركيزتين كفيل بأن يُبقي العراق رهينة لواقعه المأزوم الذي بدأ مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. والتباعد بين هذين المنظورين يكشف مدى فداحة الثمن الذي يجب أن يدفعه العراق؛ للانعتاق من واقعه المأزوم ويحقق التغيير المأمول.

البحث فى معادلة «الثمن الفادح» هذه يمكن أن يقدم تفسيراً منطقياً للسرعة التي جرت بها استجابة معظم القوى والأحزاب السياسية العراقية، والشيعية منها بالأساس، لقرار رئيس الجمهورية برهم صالح ترشيح رئيس المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الحكومة على العكس من موقفها الرافض لشخص عدنان الزرفي، وقبله عرقلة التصويت داخل مجلس النواب على الحكومة المقترحة من محمد توفيق علاّوي.

فالفترة التي سبقت ترشيح مصطفى الكاظمي كانت شديدة الارتباك والتعقيد. بدأت بحادثة اغتيال الجنرال قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس، الأمر الذي أربك كل مفاصل القوة في العراق ابتداءً من حكومة تسيير الأعمال ورئيسها عادل عبدالمهدي، الذي قدم توصية لمجلس النواب تقضي بإخراج كافة القوات العسكرية الأجنبية من العراق، وامتداداً إلى البرلمان الذي انقسم على التصويت على هذه التوصية؛ حيث امتنعت الكتل السنية والكردية عن المشاركة في جلسة التصويت على التوصية التى صدرت بدعم الأصوات الشيعية التي كفلت لها النصاب القانونى، وانتهاء بالانقسامات بين الميليشيات المكونة للحشد الشعبى حول قرار: إجبار الأمريكيين على الرحيل عن العراق بالقوة عبر ما سموه ب«خيار المقاومة». كل هذه الارتباكات عرقلت التوافق على مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة في ظل تربص مكونات «الحراك الشعبي»، بأن يأتي المرشح الجديد لرئاسة الحكومة من خارج الطبقة الحاكمة وألا يكون مزدوج الجنسية وغير متهم بفساد مالي أو سياسي، وهكذا سقط محمد توفيق علاّوي باعتباره مرشح إيران وبعده سقط ترشيح الزرفي باعتباره مرشح الأمريكيين.

هنا بالتحديد كان السؤال الصعب: إلى متى سوف تستمر هذه المعادلة: صراع المرشحين من جانب كل من واشنطن وطهران عبر لعبة «تبادل إسقاط المرشحين»؟ ما وضع جميع الأطراف أمام خطر ساحق وجودي، وجاء الارتباك الشديد الذي أصاب إيران أولاً والولايات المتحدة ثانياً من جرّاء ضغوط انتشار وباء فيروس «كورونا»، وإجباره قادة البلدين على «الانكفاء الاضطراري» على أولوية مواجهة التحديات الداخلية، وتجميد، أو على الأقل، تهدئة التحديات الخارجية لتساعد مجتمعة على توافق كل الأطراف على القبول بما يمكن اعتباره «مرشح الضرورة» أو «مرشح التهدئة» حتى لو كان هذا المرشح هو مصطفى الكاظمى. ويبدو أن «الحراك الشعبي» هو الآخر دخل اضطرارياً ضمن معادلة القبول ب«مرشح تهدئة».

هذا يعني أن مصطفى الكاظمي أمامه فرصة تاريخية لتحويل المؤقت إلى دائم، أي أن يتحول من مجرد «مرشح مؤقت» إلى حين إجراء الانتخابات العامة المحتملة نهاية هذا العام إلى «بوابة التغيير» في العراق، أي يكون على رأس قوى التغيير التي بمقدورها إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، وإنهاء حكم المحاصصة السياسية.

حتماً هذا الأمر يتوقف على مدى قدرة الكاظمي على تحقيق هدفين متعارضين أحدهما تريده واشنطن وعبر عنه صراحة الاثنين الفائت وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو وهو «حصر الأسلحة بأيدي الحكومة» الذي يعني عملياً محاصرة الميليشيات الموالية لطهران والتي توجه ضربات متتالية للقوات الأمريكية، والآخر تريده إيران وهو إخراج القوات الأمريكية من العراق، إلى جانب هدفين آخرين جعلهما الكاظمي ضمن أولوياته ويحققان له دعم «الحراك الشعبى»: محاربة الفساد وعودة النازحين الذي يلقى دعماً قوياً من الأطراف السنية على وجه التحديد.

إلى أي حد سينجح مصطفى الكاظمي في هذا الاختبار؟ عند الإجابة سيتحدد الثمن الذي تم دفعه؛ لإحداث التغيير في العراق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"