ثورة شمسية تهدد منجزات التحديث

05:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

تناقلت الأنباء في الأيام الماضية خلاصة لمعلومات يحذر فيها العلماء من «مخاطر عاصفة شمسية قد تعطل الاتصالات على الأرض لعدة أعوام وتسبب أضراراً تصل كلفة إصلاحها إلى أكثر من تريليون دولار ونصف» ومن شأن هذه العاصفة -كما يقول التقرير العلمي- «أن توقف الأقمار الصناعية عن العمل وتوقف حركة الملاحة الجوية إضافة إلى العديد من المشاكل ذات الأثر البعيد».
قد لا يتوقف كثير من القراء عند هذا النبأ العاصف. وقد لا يقرؤونه أسوة بمواقفهم من كثير من الأنباء المرتبطة بشؤون حياتهم الراهنة والمستقبلية منذ شغلهم عنها الانكباب على متابعة الأحداث الجارية في بلدانهم عن كل شيء يترصد المستقبل أو يضيف إلى مشكلاتهم المعاشة مشكلات أخرى لاسيما تلك الأنباء التي تدخل في خانة الاحتمالات والتي قد تقع أو لا تقع. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لعدد ممن يتابعون الدراسات العلمية ولا يمكنهم تجاهل ما يصدر عن العلماء الذين يعكفون منذ سنوات في المعامل والمختبرات على دراسة ما يخبئه مستقبل الأرض والبشر من خير أو شر، ومن مزعجات ومطمئنات.
وما يؤسف له حقاً أن كل ما يتوصل إليه العلماء في أبحاثهم ودراساتهم المعمقة لا يبعث على التفاؤل لا سيما تلك التي تتعلق بمستقبل الأرض وما ينتج عن التمادي في إفساد طبيعتها، وهو الإفساد الذي تحول بمرور الأيام إلى حالة من الانتحار المؤكد، انتحار للأرض وللإنسان معاً.
ومما يؤسف له أيضاً أنه إذا ما تحققت تحذيرات العلماء فإن كثيراً من أحلام البشر وجهودهم السابقة ستذهب سدى، وقد تبدأ البشرية في بناء حياتها الجديدة من الصفر بعد أن كانت قد قطعت أشواطاً في مضمار التقدم والتحديث وتقريب البعيد.
وعندما ينطلق الإنسان بخياله المتشائم ويتوقف تجاه ما يمكن أن تؤدي إليه العاصفة الشمسية المشار إليها فسيجد أن سكان الأرض -دون استثناء- قد عادوا أدراجهم أربعة أو خمسة قرون. ويكون الإنسان -يومئذ- غير قادر على التواصل مع أهله في أقرب مكان من المدينة التي يقطنها أو يعمل فيها، فقد تكون العاصفة قد أصابت كل شيء بالشلل التام، وصارت كل مجموعة بشرية تعيش في عزلة عن كل ما يدور حولها. وبعد ما كان الإنسان يفتح عليه عينيه صباح كل يوم على إحصائيات لأحداث العالم سيجد أنه عاجز عن متابعة ما يحدث في مدينته فضلاً عما يحدث على ظهر هذا الكوكب الملتهب والمتلاحق الحوادث والأحداث.
ولا أخفي أنني قمت بما يشبه الاستبيان أو الاستبانة- كما يحلو للمحافظين على سلامة اللغة العربية- شمل عدداً من المثقفين وكانت النتيجة الأولية ظهور انقسام شديد تجاه ردود أفعال ما قد يحدث فيما لو تحققت العاصفة، فالأغلبية لا تخفي سعادتها بما سيحدث ونرى في ذلك شفاءً للبشرية من التحديث غير المبرمج أو الممنهج لصالحها، والذي قاد إلى تدمير القيم وإشاعة الحروب الفتاكة بأسلحة ما كانت لتخطر على متحاربي الماضي أو يتصور مدى فتكها عقل الشيطان بكل ما اتسع له ذلك العقل الشرير من آثام وإجرام. لقد وجد هذا الفريق في نتائج ما سيحدث إنقاذاً للناس من حالات القلق والتوتر وعودة الطمأنينة إلى نفوسهم بعد أن أرهقتها المتابعة اللحظية لما ينشر ويذاع ويخلق في محيط كل إنسان حالة من العزلة التي هي أهون بكل المقاييس من عزلة تفرضها صور التلفاز وصوت المذياع وسهولة الرحلات التي لم تنتج كتاباً واحداً يساوي أو يقترب من رحلة ابن بطوطة أو رحلة ابن جبير.
لقد ارتقى العلم وصار العلماء بعد أن أوصلوا الإنسان إلى النجوم القريبة من الأرض-قادرين على قراءة كل الاحتمالات المتوقعة بين كوكبنا الأرض وبقية الكواكب السماوية، وما يقولونه أو يحذرون منه ليس ضرباً من التنجيم أو قراءة كف الريح وإنما يقوم على معادلات رياضية وتجارب واقعية ومعملية، وهذا لا يعني على الإطلاق ألا تحدث أخطاء جزئية في بعض الحسابات أو التحسبات. ومع ذلك لا مفر من أخذ تحذيراتهم مآخذ الجد حتى لا تذهلهم المفاجأة وتضعهم وجهاً لوجه تجاه ما لم يكن في الحسبان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"