جشع الشركات قد يعطّل تطوير إنتاج العراق النفطي

01:46 صباحا
قراءة 4 دقائق

تحاول السلطات العراقية التعجيل بطرح مناقصات لدخول الشركات الدولية الكبرى إلى قطاع الطاقة العراقي بهدف زيادة الإنتاج عبر تطوير الحقول القائمة واستكشاف حقول جديدة للنفط والغاز على الرغم من أن قانون الطاقة العراقي لم يقر بعد في البرلمان بسبب الخلافات حول بنوده الخاصة بالمناطق العراقية ونصيب العراقيين من عائدات إنتاج بلادهم . ويهدف العراق إلى بدء الشركات الأجنبية في العمل مطلع العام المقبل، ويتوقع زيادة الإنتاج نتيجة العقود الجديدة بمقدار مليوني برميل يومياً بحلول عام 2013 ويبدو ذلك توقعاً مغرقاً في التفاؤل نتيجة الصعوبات التي تعترض بنود المناقصات، مع جشع الشركات الدولية لتعظيم أرباحها مستقبلاً .

تم الإعلان بالفعل عن أول مناقصة لتلك العقود، وجرت مفاوضات أولية مع الشركات المهتمة بهدف الاتفاق على شروط التعاقدات قبل فتح باب التقدم بالعروض . وتفيد الأنباء المنتشرة في أوساط قطاع الطاقة بأن الشركات الدولية تضغط من أجل تعديل جديد لتلك الشروط والبنود، وأن المسؤولين العراقيين وعدوا بالفعل بإمكان تعديل بعض الشروط . وقويت تلك التسريبات بعدما عقد المسؤولون العراقيون جولة مفاوضات ثانية مع شركات الطاقة العالمية في اسطنبول منتصف الشهر (فبراير/شباط) للبحث في شروط وبنود أول طرح عراقي لحقول النفط والغاز للاستثمارات الأجنبية والمقرر ان يعلن في مارس/ آذار وينتهي موعد تقديم العروض في مايو/ ايار لتعلن نتائج المناقصة في يونيو/ حزيران .

وتتضمن المناقصة الأولى ستة حقول نفط كبيرة هي حقل باي حسن وكركوك في شمال العراق وحقل الرميلة وغرب القرنة 1 والزبير في الجنوب وحقل ميسان في وسط العراق، وتشكل الحقول الستة نحو ثلث الاحتياطيات النفطية المثبتة في العراق والمقدرة بنحو 115 مليار برميل . بالإضافة إلى حقل غاز في شمال غرب البلاد وحقل غاز ميسان في إقليم ديالى شمال العاصمة بغداد . وتعمل وزارة النفط العراقية على استقدام خطابات اهتمام أولية لجولة ثانية من المناقصات تتضمن عشرة حقول نفطية منها ثلاثة من الحقول الكبيرة في الجنوب هي غرب القرنة 2 وحلفايا والمجنون إضافة إلى حقل سيبا للغاز قرب البصرة .

وجذبت الجولة الأولى من المناقصات كبرى شركات الطاقة الدولية مثل بريتش بتروليم (بي بي) ورويال دتش شل واكسون موبيل وكونكو فيليبس وتوتال ولوك اويل . وتتضمن العقود الاستكشاف والتطوير والإنتاج وعقود الخدمات طويلة الأمد، لكنها لا تتضمن الشراكة في الإنتاج النفطي . ويقول العراقيون إنه يمكن المضي قدماً في توقيع التعاقدات، على أساس القوانين الحالية للعقود النفطية حتى لو تأخر اقرار قانون النفط العراقي المعطل في البرلمان منذ نحو عام الآن . وتستند شروط المناقصة العراقية على التكلفة الأقل لعناصر المشروعات بما فيها استعادة الطاقة الإنتاجية إلى المستوى المحدد وزيادة الإنتاج عبر التطوير والاستكشاف . وسيكون على شركات النفط الدولية الفائزة بالعقود الدخول في شراكة مع شركة نفط الشمال أو شركة نفط الجنوب العراقيتين لمدة 15 عاماً قابلة للتجديد لمدة 15 عاماً أخرى .

ومن بين النقاط الشائكة في المفاوضات حول شروط المناقصة نسبة الشركات الأجنبية في المشروعات المشتركة مع الشركة العراقية، إذ تطالب الشركات الدولية بحصة أغلبية فيما تتمسك السلطات العراقية بألا تزيد نسبة الشريك الأجنبي على 49 في المائة من المشروعات المشتركة كي يسهل عليها تسويق التعاقدات سياسياً في الداخل . وتطالب الشركات الدولية كذلك بخفض نسبة الضرائب على الأرباح من استثماراتها في المشروعات المشتركة وكذلك بضرورة تقديم حوافز لها تمكنها من استعادة تكاليف المشروعات التي تدخل فيها نتيجة ترسية العقود .

كذلك تشكك الشركات الدولية في السلامة القانونية لتلك التعاقدات، وترى انها تشبه إلى حد كبير العقود المقترحة للخدمات التي جرى التفاوض بشأنها مع الكويت على مدى عشر سنوات من دون نتائج . وبما ان معظم الشركات الدولية الكبرى التي تستعد للدخول في المناقصات العراقية كانت طرفاً في التفاوض مع الكويتيين، فإنهم يرون ان القول بعدم الحاجة لمصادقة برلمانية على التعاقدات ربما يكون مغالطة . وتخشى الشركات ان ينتهي الأمر إلى جدل عراقي داخلي طويل الأمد على غرار ما جرى في الكويت .

مشكلة العراق انه بدأ في طرح المناقصات في وقت تضافر فيه عاملان رئيسيان يحدان من قدرة المنتجين على التفاوض مع شركات الطاقة الكبرى، وهما انهيار أسعار النفط والركود الاقتصادي العالمي . فتراجع الأسعار يعني تراجع عائدات الدول المنتجة ما يزيد من حاجتها للاستثمارات الأجنبية، وفي الوقت نفسه يعطي الشركات الدولية الكبرى ميزة تفاوضية استثنائية نتيجة تراكم أرباحها في سنوات الوفرة وقدرتها على فرض شروطها لتعظيم أرباحها مستقبلاً متعللة بالركود الاقتصادي الحالي . إلا أن تقديرات وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب على الطاقة سيتعافى في غضون عامين، وحقيقة انه باستثناء السعودية وربما الإمارات إلى حد ما لم تستثمر دول منتجة كثيراً في زيادة الطاقة الإنتاجية فإن الإنتاج العالمي الحالي قد لا يكفي الطلب عند تعافيه . ومن هنا تأتي ميزة في يد العراقيين، يجب أن يستفيدوا منها في التفاوض مع الشركات، وهي ان بلدهم يرقد على ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، كما ان قطاعه النفطي لم يشهد تطويراً ولا اكتشافات منذ نحو عقدين من الزمن نتيجة الحصار والحرب .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"