جهود الكذب والعجز في أرض العرب

02:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

نحن نعيش في عالم قائم على الكذب والخداع، والدوران حول القضايا، ثم الادعاء بأن القيادات تسعى لحل تلك القضايا.
لنأخذ موضوع العنف الإرهابي، الجهادي التكفيري في بلاد العرب والإسلام، والعبثي الفردي في مجتمعات الغرب، والذي أصبح كابوساً يؤرق كل مجتمعات العالم، وحديثاً تتلهى به كل وسائل الإعلام ليل نهار بعرض فواجعه وأحزان ضحاياه، إضافة إلى خطابات سياسية من هذا وذاك، تمارس فيها أوهام البطولة، لكن موضوع العنف الشيطاني ذاك يظل قائماً ومترسخاً، بل ويتمدد ويتفنن في إبتداع صور الذبح والحرق التي لا تقف عند حدود.
أما عالمنا، فإنه ينشغل بتحليل الظاهرة وبالتصنيف المضحك المبكي. فهذا إرهاب متطرف يجب أن يحارب، وذاك إرهاب معتدل يمكن التعايش معه، وتلك مجزرة يقوم بها فرد شاذ معتوه، كانت، وستكون معنا إلى الأبد.
الكل منشغل بذلك اللغو، لكن قليلون هم الذين يتحدثون عن أهم وأخطر عناصر وجوده: وصول ممارسيه السهل الميسر إلى الأدوات التي يرتكبون بها جرائمهم، واستمرار نشر الإيديولوجيا التي تغذي وتربي عقول وأرواح أتباعه وجنوده وانتحارييه.
موضوع الوصول إلى الأدوات يصرخ في وجوه الجميع ويطرح السؤال الآتي: ما الذي يقتل الضحايا، ويفجر الأسواق والمساجد والحسينيات، ويرمّل النساء، وييتم الأطفال، ويحيل المدن إلى أرض يباب؟ أليست هي البندقية والكلاشينكوف ومواد التفجير؟ وهذه أليست تصنع في مصانع معروفة، وتباع من قبل جهات معروفة، وتشتريها أنظمة وقوى معروفة لتوصلها بطرق معروفة، إلى يد المجنون الذي يمارس الإجرام الهجمي؟
وإذاً، لماذا لا يستطيع هذا العالم، الذي نجح إلى أبعد الحدود في الحد من انتشار الأسلحة الذرية والكيميائية والجرثومية، لا يستطيع أن يفعل الأمر ذاته مع إنتاج وبيع الأسلحة، سواء للإرهاب الدولي أو الفرد المجنون، لتصبح عملية محكومة بضوابط دولية صارمة وسجلات شفافة ومقاييس أمنية وطنية فقط؟
لماذا لم يحصل هذا الموضوع بالذات، وبالرغم من كل مآسي الإرهاب الجماعي والفردي، بالدعوة إلى مؤتمر دولي واحد ليصار إلى النظر في إمكانية ضبط تصنيع وبيع السلاح؟ ألأن مصانع السلاح في دول الغرب وروسيا والصين والكيان الصهيوني، وغيرها، يجب ألا تمس مصالحها وتشغيلها لألوف الأيادي العاملة وجنيها للأرباح الهائلة؟ ألأن مؤسسات الاستخبارات، ومؤسسات تجارة السلاح، والإعلام الذي يقف وراءهما، أصبحت جميعاً أقوى من الدول ومن الإرادة الدولية؟
في هذا الموضوع تذرف يومياً دموع التماسيح، ويمارس النفاق بصورة مكشوفة، ويتم التآمر على الإنسانية، بينما تجري الدماء مدراراً.
الأمر نفسه ينطبق على موضوع الإيديولوجيا التي تقف وراء العنف الجهادي التكفيري، خصوصاً في أرض العرب والإسلام. الجميع يعلم بأنها إيديولوجية فقهية متخلفة متزمتة تعتمد على قراءات خاطئة تلفيقية لما جاء في القرآن الكريم، وأحاديث رسول الإسلام المؤكدة المتناغمة مع روح الرسالة السماوية العادلة المتسامحة الرحيمة
فماذا تفعل المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية والأهلية، التي تدعي أنها وجدت لحماية سمعة ونقاء هذا الدين، تجاه إنتاج وتوزيع وممارسة تلك الإيديولوجيا الفقهية؟
هل حقاً أن هذه المؤسسات جادة في محاربة الإيديولوجيا التكفيرية عندما تكتفي بإصدار الإدانات الخجولة، التي تكاد تكون همساً خائفاً، لممارسات الجهاد التكفيري؟
هل حقاً أننا لم نصل بعد إلى الكارثة التي تستدعي أن تكون جميع تلك المؤسسات الدينية جبهة واحدة، متناسقة، تتكلم بصوت واحد جهوري لا غمغمة فيه، ضد كل ممارسات الجهاد التكفيري الإرهابية، تحت أي مسمى كان، وضد كل من يمد أصحابه بالسلاح والمال والدعم السياسي والمعنوي، وضد كل محاولات تشجيعية وتبريره باسم الانقسامات الطائفية؟
أليس الجحيم الذي يعيشه العرب المسلمون والمسيحيون كاف، وخطر، حتى تتوقف تلك المؤسسات الدينية عن التفكير الطائفي، وتقفز فوق كل الخلافات المذهبية، وكثير منها عبث في عبث، وسياسة في سياسة، لتبني موقف إسلامي واحد لإيقاف جنون هذه الإيديولوجيا الفقهية؟
نحن أمام جهتين غير جادتين: دولية كاذبة، لا يهمها إلا أن تبيع سلاحها وتجني الأرباح، وعربية إسلامية مترددة خائفة، لا تريد أن تنقح وتصلح وتجدد وتطهر إيديولوجيا فقهية حتى لا يختطف الإسلام باسمها، وحتى لا يصبح الإسلام ديناً منبوذاً مفترى عليه.
وما يحز في النفس، أن البطش الذي تعرض له المجتمع المدني العربي عبر القرون، ولا يزال يتعرض له، يجعل التوجه إليه، ليقوم بالجهد المطلوب لإطفاء الحرائق، حديث خرافة يا أم عمر. هنا تكمن المأساة، وهنا يكمن الحل الذي يأتي ولا يأتي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"