حتى لا تُهدر فرصة «أستانة»

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
ما إن أُعلن عن عقد مؤتمر «أستانة» لأطراف النزاع السوري برعاية روسية - تركية، حتى أثار هذا التوجه آمالاً كبيرة لدى أطراف عدة في مقدمها الشعب السوري، الذي يدفع الثمن الأكبر للانسداد السياسي. ومبعث التفاؤل أن كلاً من روسيا وتركيا ذات تأثير كبير على فرقاء النزاع، وأن هذه المبادرة من شأنها أن تحقق اختراقاً، يعيد الأمور إلى سكة التفاوض، وقد شجّع على ذلك إبرام الهدنة بموافقة سائر الأطراف الفاعلة. غير أن الآمال التي واكبت التحضيرات لمؤتمر أستانة سرعان ما تعرضت للاهتزاز، مع اهتزاز الهدنة ذاتها، وبالذات في منطقة وادي بردى، قرب دمشق، جراء قطع المعارضة الماء عنها، وقد اعتصم الجانب الروسي بموقف غامض إزاء تهديد الهدنة التي يرعاها، وإن كان قد سعى بتكتم إلى التوصل إلى حل بدلالة توجه وفود عسكرية روسية للمنطقة، ذلك أن وقف إطلاق النار أو الهدنة، وهي الأولى من نوعها في تاريخ هذا النزاع، تشكل القاطرة نحو بحث الحلول السياسية للأزمة. فإذا ما تعرضت الهدنة للنقض والاختراق، وإذا ما فتحت الأبواب أمام تبادل الانتهاكات للهدنة، فكيف يمكن توقّع التوصل إلى ما هو أكبر وأكثر أهمية من مجرد الهدنة؟
إلى جانب ذلك، فإن التحضيرات للمؤتمر العتيد افتقرت، حتى تاريخه، إلى الوضوح. فليس معلوماً من هي الأطراف الإقليمية والدولية المدعوة باستثناء إيران؟ وقبل ذلك هل سيتم الالتزام بتمثيل طيف واسع من المعارضة يختاره الائتلاف الوطني، أم سيصار إلى التدخل الروسي في اختيار الأطراف المعارضة؟ وتحت أي عنوان سيعقد المؤتمر إذا قيّض له أن يعقد في الموعد الثاني له، وهو الأسبوع الأخير من يناير/كانون الثاني الجاري، بعدما كان الموعد الأصلي في 13 يناير/كانون الثاني؟ وماذا عن الأمم المتحدة؛ هل سيعقد المؤتمر العتيد برعاية المنظمة الدولية وإشرافها، أم بمجرد حضور بروتوكولي للمبعوث الدولي دي ميستورا؟ والأهم من كل ذلك، ما الذي يؤمل أن ينجزه المؤتمر في كازاخستان كي تتم العودة إلى مسار جنيف الذي يحظى بأكبر تأييد إقليمي ودولي؟
هذه أسئلة وتساؤلات يطرحها الواقع القائم، وليست مجرد خواطر تثور في ذهن مراقب هنا أو هناك. والمبعث الأساسي لها هو الأمل في أن ينجح خيار أستانة لدى جمع المتنازعين، وفق مرجعيات سبق الاتفاق والتوافق عليها، وتضمنتها مؤتمرات جنيف، وألّا يتم إهدار هذه الفرصة الثمينة.
والأصل في هذه المرحلة هو دفع الأطراف جميعاً للإقرار بأن لا حل عسكرياً للأزمة المستفحلة، وأن ترجمة ذلك تتطلب الإقلاع التام عن منطق الحسم العسكري الذي لا يعني سوى التطاحن، وتدمير ما لم يُدمّر بعد، وزيادة الأعباء على الجميع حاضراً ومستقبلاً، والانتقال من ذلك إلى منح الحل السياسي، وفق مرجعية جنيف -1، والقرار 2254، كل ما يستحقه من زخم بدعم دولي وإقليمي. وهو ما يتطلب، ابتداءً، إرادة حازمة من الطرفين الروسي والتركي، وبما يشجع بقية الأطراف المعنية والمهتمة في العالم إلى مباركة هذا التوجه ودعمه، والتهيئة لمرحلة انتقالية تتضمن الشروع في إعادة الإعمار وتأمين عودة ملايين النازحين إلى ديارهم وبيوتهم.
ليس من المبالغة القول إن إعلان موسكو مجدداً تخفيض عديد قواتها وتجهيزاتها في سوريا يحمل رسائل إلى سائر الأطراف بضرورة أخذ الحلول التفاوضية بجدية أكبر والتزام أوضح، ولدى موسكو مصلحة بذلك في هذه المرحلة، فبعد أن ضمنت قواعد ثابتة لها في سوريا، فإنها تسعى إلى إقصاء الدور الأمريكي، وجعل الرئيس دونالد ترامب يقف متفرجاً في الأيام الأولى لولايته على إنجازات روسيا في اجتراح الحلول وتقرير الأمور في بلد مهم كسوريا، ولا يبقى أمام واشنطن سوى أن تسير في ركاب موسكو، وأن تقلع عن فرض عقوبات عليها، وتفتح صفحة جديدة معها تزيل التوترات والاحتقانات السابقة. وقد آن لموسكو كما لأنقرة أن تسهما بصورة ملموسة في إعادة الإعمار السياسي بما يمنح أملاً للسوريين، بعدما نال سوريا من التدمير ما يفوق نتائج الزلازل والكوارث الطبيعية الكبرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"