حرب جديدة على السلطة

04:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
أعلن مؤخراً في «تل أبيب» عن خطة وضعها وزير الدفاع الصهيوني افيغدور ليبرمان للتعامل مع الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال. ليبرمان لم يتردد في وصف خطته بأنها تحتوي على العصا والجزرة، أي الترغيب والترهيب، ومن أهم مفاصل هذه الخطة عزم حكومة الاحتلال إقامة اتصالات مباشرة مع من يرغب من الفلسطينيين، دون الحاجة إلى المرور بالسلطة الوطنية أو نيل مصادقتها. ومن الواضح أن الهدف من هذا التوجه هو تجاوز السلطة ككيان قانوني وسياسي، ومحاولة إقامة أجسام سياسية مستقلة عن السلطة، قد تسمح مستقبلاً بإجراء تفاوض معها. والجزرة هنا هي كما قال ليبرمان: «منح فوائد لمن يرغب بالتعايش معنا». والرسالة أيضاً واضحة هنا، فمن يرغب في الابتعاد عن السلطة، وعن الجسم الوطني والسياسي عموماً، فسوف يحظى ببركة الاحتلال وفوائده. أما العصا فهي «جعل الحياة صعبة على من يرغب المس باليهود»، والهدف هنا هو بث رسالة للتخويف والإرهاب ضد كل من يفكر بتنظيم موجات احتجاجية.
أبعد من ذلك، فقد أشار ليبرمان إلى أن وزارته عازمة «على وضع قوائم بأسماء أولئك الذين يعدون من المقربين إلى السلطة». في واقع الأمر إن الموظفين والعاملين في المؤسسات الرسمية والمرافق الحكومية هم في عداد هؤلاء، إضافة إلى المنضوين في فصائل منظمة التحرير، فضلاً عن جمهور واسع بميول سياسية مختلفة تجعل بعضهم في موضع نقد ومعارضة للسلطة. والخطة التي وضعها ليبرمان المعروف بتطرفه وعنصريته، تجعل اقتراب الرازحين تحت الاحتلال من السلطة بمنزلة شبهة تحيق بهؤلاء، مع ما ينطوي عليه هذا التوجه من دعوة ضمنية للفلسطينيين بالانفضاض عن السلطة، مقابل التمتع ببركة الاحتلال ومزاياه وفوائده. ليبرمان عرض خطته على رئيسه بنيامين نتنياهو الذي اطلع على كل التفاصيل، قبل أن يكشف عنها لوسائل الإعلام. والخطة على هذا النحو تمثل بداية لحرب جديدة من طرف الاحتلال على السلطة بكل ما تمثله رمزياً ومعنوياً وسياسياً، وتدفع بالرازحين تحت الاحتلال إلى التخلي عن أية مرجعية سياسية أو وطنية لهم، والعودة إلى الماضي، أي إلى ما قبل نشوء السلطة عام 1994، بحيث يتعامل الاحتلال مع الجمهور بصورة مباشرة كأفراد، أو كممثلين لبلديات ومجتمع محلي، ولكن دون أي صفة سياسية تمثيلية.
يجدر بالذكر هنا أن سلطات الاحتلال سبق أن قلصت إلى حد كبير من صلاحيات ما تسميه بالإدارة المدنية للاحتلال التي كان يقودها عسكريون ورجال أمن، وأنيط بها البت في كل الأمور الحياتية التي تتعلق بأبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بعد سريان اتفاق أوسلو ونشوء السلطة، لكن هذه الإدارة لم تلبث أن عادت إلى العمل، وكأن شيئاً لم يتغير. وتزاحم هذه الإدارة السلطة على صلاحياتها، وعلى ولايتها على الأرض والناس، مستخدمة سطوة الأمر الواقع العسكري. وبما أن الاقتصاد الفلسطيني ما زال أسيراً لدى اقتصاد الكيان ويرتبط به، فإن كل أشكال المعاملات تخضع لموافقات الإدارة المدنية، فضلاً عن الدخول والخروج من الضفة الغربية وإليها، وما بين الضفة وقطاع غزة.
خطة ليبرمان التي تحتاج إلى موافقة حكومة نتنياهو، و(الكنيست) تكشف عن التوجهات القائمة، وتعكس الصراع الصامت مع السلطة حول الاستيطان، ومفهوم التسوية وحول الحق الفلسطيني في اللجوء إلى هيئات قضائية دولية، أو حتى مخاطبة دول وحكومات حول مسار التسوية. وقد توقفت المفاوضات بين الجانبين منذ إبريل/نيسان عام 2014، لسبب رئيسي يتعلق بالغزو الاستيطاني، ويريد الاحتلال الاستمرار في التفاوض دون وقف الاستيطان، بحيث لا تبقى هناك أي أرض بحوزة أصحابها الفلسطينيين يمكنهم أن يقيموا عليها دولتهم الوطنية مستقبلاً، مما يجعل التفاوض عبثياً ومحكوماً بالفشل، وستاراً يموّه على التوسع الصهيوني في الأراضي المحتلة.
في واقع الأمر إن التوجهات الجديدة هذه لإلحاق المزيد من الضعف بالسلطة، تأتي دون وقوع توترات أو«موجة أعمال عنف»، فالأوضاع هادئة، والسلطة لا تشجع من جهتها على الاحتجاجات الجماهيرية المشروعة، بدعوى نزع الذرائع من أيدي سلطات الاحتلال، والنتيجة أن الجنوح إلى الهدوء، يثير نزوعاً إلى المزيد من التطرف لدى حكومة نتنياهو، ومن غير أن تكون هناك أي ذرائع أو حجج أمنية، مما يثبت أن مهادنة الاحتلال لا تفيد في شيء، بل تضاعف نزوعه العدواني والتوسعي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"