حرب من الجو ضد الإرهاب

05:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبدالخالق

كل من تداعبه الأحلام أو الأوهام بشأن نهاية وشيكة لدوامات العنف وشلالات الدماء المتدفقة في منطقتنا عليه أن يراجع حساباته. ولن يطول به الوقت حتى يكتشف أنه أسرف في التفاؤل بلا مبرر أو دليل. هذه ليست دعوة للتشاؤم وإنما قراءة واقعية لأوضاع قائمة، ونتيجة منطقية لإصرار كثيرين على صب مزيد من الزيت على النيران المشتعلة بدلاً من إطفائها.
آخر هذه الآثام تكشفت الأسبوع الماضي بالإعلان عن قرار الرئيس ترامب تخفيف القيود التي كان سلفه الرئيس أوباما قد أقرها بشأن غارات الطائرات من دون طيار في إطار الحرب ضد الإرهاب. تشمل التيسيرات الجديدة التي أجازها ترامب الضوابط المتعلقة بقواعد تجنب إصابة المدنيين.
ومن الواضح أن التوجه الجديد للإدارة الحالية لن يقتصر على التساهل في توجيه الضربات، وإنما تكثيفها أيضاً، وهو ما بدأ بالفعل. فقد ذكر موقع «نيو أمريكان» أن ترامب وافق على شن 36 غارة خلال 45 يوماً منذ توليه السلطة، وحتى منتصف مارس/آذار الماضي، بواقع غارة كل 1,25 يوم. بينما بلغ عدد الغارات التي أقرها أوباما خلال 8 سنوات أي 2920 يوماً 542 غارة بواقع هجمة كل 5,4 يوم. معنى هذا أن نسبة الزيادة في عدد الغارات خلال حكم ترامب بلغت 432%.
ولكي لا نظلم ترامب، نشير إلى أنه كرئيس لا يمثل استثناء فيما يتعلق بنزوع القادة الأمريكيين إلى شن الحروب الخارجية والإفراط في ذلك أحياناً بدون أن تذرف أعينهم الدموع على الضحايا. وخلال حكم أوباما، الحائز على نوبل للسلام، قتل ما بين 384 و807 مدنيين في غارات الطائرات بدون طيار، وفقاً لإحصائيات مكتب الصحافة الاستقصائية الأمريكي.
وتشير الأرقام شبه الرسمية إلى أن هذه الغارات أسفرت عن مصرع أكثر من 30 ألف إرهابي. وفي حين أن بوش الذي بدأ هذه الحرب الجوية ضد الإرهاب لم يقر سوى 50 غارة، فإن أوباما توسع فيها على نحو غير مسبوق، ووافق على شن أكثر من 500 غارة. ومن المؤكد أن ترامب سيتفوق عليه في عدد الغارات على أمل أن تستهدف الإرهابيين من دون سقوط ضحايا مدنيين.
ولو مضى ترامب على هذا الطريق ستكون النتيجة مفزعة قياساً على الحصيلة التي خلفها أوباما. وتكفى الإشارة إلى تقرير نشرته صحيفة «نيشن» الأمريكية أوائل العام الحالي، ذكرت فيه أنه خلال 2016 أسقطت الطائرات الأمريكية 26 ألفاً و171 قذيفة على أهداف في العالم. وكان للعراق وسوريا النصيب الأكبر بواقع 20 ألفاً و105 قذائف.
يمثل هذا الجهد العسكري الفائق ركنا أصيلاً وراسخاً في السياسة الأمريكية، بمعنى أنه ليس وليد اليوم أو مجرد رد فعل على الإرهاب. تاريخ الولايات المتحدة هو تاريخ حروب متواصلة بلا نهاية. الشيء الوحيد الجديد بالنسبة للعرب هو أن هذه الحروب أصبحت قريبة منهم أو في ديارهم. ويعتقد الصحفي الأمريكي، غريغ غراندين، أن الحرب الحالية ضد الإرهاب هي في الواقع استمرار لحرب الخليج الأولى التي بدأتها الولايات المتحدة ضد العراق في السادس عشر من يناير/كانون الثاني 1991.
من الناحية العملية لم تتوقف هذه الحرب رغم بعض فترات الهدوء المتقطعة. وتناوب على إدارتها أربعة رؤساء أمريكيين وشملت القصف المستمر للعراق خلال حكم صدام، ثم غزو أفغانستان، فغزو العراق، ثم الحرب الأهلية، وصولاً إلى الحرب ضد الإرهاب. وكلها جولات في حرب واحدة. ووفقاً لتقرير نشرته جامعة براون الأمريكية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي فإن تكلفة الحروب الأمريكية منذ 2001 بلغت 4,79 تريليون دولار.
لا يمكن لأمريكا أن تعيش بلا حروب، ولذلك لابد لها من عدو، فإن لم يوجد أوجدته هي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"