حكومة دبي تحارب الفساد

05:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

تقديم أي متهم في أية جنحة أو جريمة إلى القضاء المدني المستقل في درجاته الثلاث، ابتدائي واستئناف وتمييز، أو ما يتطلبه القانون، معناها أننا في مجتمع مدني متحضر، ومعناه أيضاً أن للإنسان، أي إنسان، حقوقاً تؤخذ من قبل السلطة الإدارية في المجتمع بعين الاعتبار، ومعناه كذلك أن هذا الإنسان طالما يحترم حقوق الآخرين أو حقوق من حوله من الناس فهو في أمان، أما إذا بدت منه إساءة لحقوق الغير فإنه يدان، ويقدم إلى العدالة، وحوزة هذه العدالة هو المكان الذي يجزي الخير خيراً والشر شراً، وهي المحاكم أوالقضاء أو القانون الذي لا يعرف التعسف ويتيح للمتهم أن يدافع عن نفسه.

ولا شك أن أكثر الامور توليداً للشر وخرقاً للقانون، وبالتالي انتهاكاً لحقوق الإنسان، هو استشراء الفساد في جسم الوظائف العامة، وعلى رأس هذا النوع من الفساد، العبث بالمال العام...ولا يعني هذا أن يكون العابث بالمال العام هو الموظف العمومي الذي عادة ما يشار إليه بموظف الحكومة أو الدولة ليس إلا، بل يعني كل مسؤول إداري تقع تحت يديه إدارة أموال تخص مجموعة من الناس الذين يمتلكون أموالا في مؤسسة أو شركة عامة كالبنوك والمؤسسات المالية وما شابهها، لأن الموظف المسؤول هذا، عن الإدارة المالية التي تخص جمعاً من الناس، يتسبب بعبثه وفساده أو بخيانته في الإضرار بأموال تخص الناس، وبين الناس هؤلاء من يعتمد على ما تدر عليه أمواله المستثمرة في المؤسسة المالية في معيشته ومعيشة أسرته، تلك المعيشة التي يقطعها هذا العابث والفاسد، ومن هذا المنطلق يصبح هذا العابث الفاسد مضراً بحقوق الإنسان وغير مراع لها.

ويخبرنا التاريخ أن دبي قد شهدت محاكمة بعض العابثين بالأموال العامة ومطالبتهم بإعادة الأموال المختلسة، في أكثر من مرة، في أواخر الأربعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكان طبيعياً أن يحصل هذا العبث بالمال العام في دبي أكثر من أماكن أخرى في الإمارات، بسبب الوجود التجاري النشط، وتدفق الأموال، ووجود المؤسسات المالية المتعددة، واحتكاك أهل البلد بالأجانب والوافدين، وما نتج عن ذلك من عادات وقيم فيها ملامح من السلبية بجانب الفوائد الإيجابية، وما ذلك بشيء غير عادي في بلد كالإمارات، كان ولا يزال سريع الخطى نحو التطور في جميع مناحي الحياة.

ولعل ما اتخذ من إجراءات عقابية ضد العابثين في الماضي دليل على أن حكومة دبي تنوي عدم ترك الحبل على غاربه للعابثين، ولكن في رأيي أن الإجراءات المتخذة في الماضي لصون الحقوق العامة كانت محدودة، ولم تكن في غالبها تجرى في العلن، ويعرف أبعادها عامة الناس، كما هو الحال عليه الآن، الذي يرجع الفضل الكبير فيه إلى تبني سياسة الشفافية والحزم اللذين يتبعهما الشيخ محمد بن راشد ونرى تطبيقهما في دبي، ومثل هذه السياسة واتباعها، ظاهرة من ظواهر الحضارة، وعنوان جيد يدل على أن العدالة تأخذ مجراها، وينبغي على كل إنسان منا يتطلع إلى العيش في مجتمع غير ملوث بالعبثية والفساد وطغيان ذوي النفوس الضعيفة، أن يشيد بالقيادة التي يتولاها الشيخ محمد بن راشد، وبإصراره على وقاية البلد والناس من شرور الفساد وتقوية جهاز العدالة وإشعار الناس جميعاً بأن حقوقهم مصانة، وانهم في مأمن من الاعتداء على هذه الحقوق، وبهذا الشعور وحده تتنامى ثقة الناس وتطمئن النفوس وتتحقق رعاية حقوق الإنسان.

ولعلنا ايضاً لا نقول شيئاً جديداً ليس من صميم الموضوع الذي نحن بصدده، وهو أن توفير الوقاية ووضع عقبات أمام ضعاف النفوس العابثين لكي لا يتمكنوا من تنفيذ خططهم للعبث والفساد متى شاؤوا، هو إيجاد الرقابة الإدارية القوية وخلق الإحساس لدى كل مسؤول إداري بأن هناك أعينا تراقب ما يعمله وأنه إذا ارتكب عملاً سيئاً فإنه ليس بمأمون. وهذه العيون الرقابية القوية هي إحياء مجالس إدارة المؤسسات المالية وإيقاظها من النوم الذي تستغرق فيه بعمق حالياً، وتجديد دماء أعضائها بأناس يقولون الحق حتى على أنفسهم، ويجب أن يسري تطبيق العدالة ومحاسبة هؤلاء الأعضاء في هيئات الرقابة ومجالس الإدارة، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة الإهمال والسكوت عن الخطأ، وتحميلهم المسؤولية الكاملة في ضياع ما تم وما يتم من حقوق الناس وأموالهم والاموال العامة، شأنهم شأن من يعبث بالأموال بشكل مباشر.

ونقول مرة أخرى إننا جميعاً ينبغي أن نشد على يد قيادتنا الرشيدة ولا تأخذنا في ذلك لومة لائم، ونردد ما يقوله ويؤكده الشيخ محمد بن راشد بصفة مستمرة وبكلمات فيها الأخلاقيات العالية.

الفساد الإداري نحن منه براء، لا نريده ولا نتحمله ولا مكان له في قلوبنا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"