خطر المجتمعات الشائخة

02:42 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعظيم محمود حنفي

بصفة عامة، يعتبر الضمور السكاني مصدر تهديد كبير للتطور الاقتصادي، إلا أن الأمر من حيث الزيادة العددية ليس مطلقاً، زيادة عدد سكان الدولة لا بد أن تكون متوازنة من حيث النسب، مثل نسبة عدد السكان المنتجين، والناشطين اقتصادياً، والقادرين على العمل، وهو الأمر الذي مكّن دول النمور الاقتصادية في آسيا من تحقيق طفرة اقتصادية وصناعية هائلة في حقبة السبعينات، والثمانينات من القرن الماضي، بسبب ما تمتعت به من قوى بشرية شابة، ومنتجة، وهو ما عرف باسم أجيال الطفرة التي حققت لتلك الدول على أكتافها معجزتها الاقتصادية.
في الأعوام الأخيرة، أضحت معظم المجتمعات المتقدمة اقتصادياً، مجتمعات تهرول نحو الشيخوخة، وبعضها موغل في الشيخوخة، وتعاني تناقصاً في عدد القوى العاملة، والمنتجة اقتصادياً، وهي الشريحة السكانية الواقعة بين سن ال 15 وسن ال 64 عاماً، وهم القادرون على القيام بأنشطة اقتصادية بشكل سهل وسلس، وهؤلاء هم عمود التنمية الاقتصادية في أي اقتصاد.
وتعتبر اليابان مثالاً كاشفاً على ذلك، حيث بدأ عدد السكان المنتجين والنشطين اقتصادياً في اليابان عام 1995، في حين بدأت فترة ما يسمونه ب «العشرين عاماً المفقودة» عام 1991 عند انفجار الأزمة العقارية وقتها.
رغم أن أسباب تلك الأزمة الاقتصادية التي شهدتها اليابان، وما تفرع منها من أزمات، عزاه البعض للأزمة العقارية، إلا أنه لا يمكن تجاهل تأثير المتغيرات السكانية التي كانت تعيشها البلاد في ذلك الوقت. والحقيقة أن القطاع السكاني بين عمر ال 15 وال 64 عاماً، هو القطاع الذي لعب الدور الرئيسي في إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية السريعة في اليابان كقوة منتجة، ومستهلكة في نفس الوقت.
لهذا فإن ضمور وغياب ذلك القطاع قد أثر بشكل جوهري في الاقتصاد على المستوى الإنتاجي والاستهلاكي. كما أن أغلب المجتمعات الأوروبية هي الآن مجتمعات شائخة، حيث يزيد فيها معدل من هم فوق سن ال 65 عاماً على 14% من إجمالي عدد السكان، وذلك منذ حقبة ثمانينات القرن الماضي، لكن تناقص عدد السكان المنتجين اقتصادياً لم يبدأ في التراجع الحقيقي إلا بعد عام 2010، أي أن تلك البلدان لم تصل إلى مرحلة تناقص عدد المنتجين اقتصادياً إلا بعد عشرين عاماً من بلوغ تلك المجتمعات مرحلة الشيخوخة المجتمعية.
المجتمعات الشائخة تعاني العديد من الآثار السلبية على اقتصاد البلاد من ناحية انكماش معدلات الإنتاج، والطلب، والإنفاق، وفي المقابل زيادة معدلات الديون، والعجز المالي وهكذا. ومرتكزات النمو الاقتصادي، والاجتماعي من سوق عمل، ورعاية اجتماعية. ونواحٍ متعلقة بالتعليم، والتدريب، والدفاع بدأت في الاهتزاز لأن القطاع المنتج اقتصادياً في أي دولة هو القطاع الأهم إنتاجياً واستهلاكياً؛ فنقص القطاع الشبابي خاصة ممن هم بين سن الثلاثين والأربعين يعني تأثيراً مزدوجاً من حيث الإنتاج والاستهلاك، أي العرض والطلب وهما الركنان الأساسيان لأي اقتصاد.
والقطاعات الأكثر تضرراً وهي القطاعات التي تحتاج إلى عمالة قوية وشابة، هي القطاع الصحي والطبي والدوائي وقطاع المعلومات والاتصالات في الاقتصادات المتقدمة.
وترى الدراسات أنه لا بد من السعي نحو الاستغلال الفعال والأمثل للعمالة الشابة، أو تشجيع الإنجاب بطرق مدروسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"