خطوات استباقية قبل مفاجآت المستقبل

03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

لنطرح السؤال التالي: هل سيتعلم العرب درساً مفيداً، دافعاً للفعل وليس للمشاهدة المتثائبة، من واقعة خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي؟

أحد أسباب خروج بريطانيا، وليس السبب الوحيد بالطبع، هو فشل البيروقراطيين في بروكسل، والساسة في كل أوروبا، في إجراء التغييرات والإصلاحات الاستباقية والوقائية في أنظمة الاتحاد وقوانينه، وطرائق عمله، وفي تعديل نتائج أخطائه الكبرى، لتحسين كفاءة عمل مؤسساته ومرونة استراتيجياته حتى تكون قراراته الاتحادية أكثر حساسية تجاه مخاوف ومطالب وآمال مواطني الاتحاد العاديين، وحتى أيضاً تأخذ أحياناً تلك القرارات في الاعتبار، وبمرونة معقولة، خصوصيات وظروف هذا المجتمع الأوروبي، أو ذاك.
لن يسمح المجال، بالطبع، بإعطاء أمثلة، أو توضيحات تفصيلية لما ذكر سابقاً باختصار مكثف. وعلى أي حال ليست التفاصيل هي ما تهمنا.
ما يهمنا هو التذكير بأن الكيانات السياسية والاقتصادية الإقليمية المشتركة، إن لم تغير أهدافها المرحلية وأساليب عملها عبر مسيرة حياتها، وإن لم تتراكم إنجازاتها عبر مسيرتها، فإن الظروف والمستقبل سيفاجئانها بأزمات وأخطار يمكن أن تقضي على وجودها، أو تضعفها.
مناسبة تلك المقدمة عن أمر يخص الدول الأوروبية هو السؤال التالي:

ألا ترتكب الجامعة العربية، والمؤسسات الإقليمية العربية الأخرى الإهمال نفسه، بعدم القيام بالتغييرات والإصلاحات الهيكلية والقانونية الضرورية والمطلوبة لجعل تلك المؤسسات قوية وكفؤة، حتى تستطيع المساهمة في حل إطفاء النيران التي تشتعل في طول وعرض وطن العرب؟ إلا يحتاج كل قطر عربي، ومن دون أي استثناء، لمواجهة الأهوال الأمنية والسياسية والاقتصادية، في الحاضر والمستقبل؟ ألا يحتاج كل قطر لمؤسسات عربية، إمَّا إقليمية أو قومية، لمواجهة الإرهاب الجهادي التكفيري الدولي، ولمنع التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، ولتحييد خطط استخباراتية لزعزعة استقراره، ولتجنب الوقوع ضحية الإملاءات العولمية النيولبرالية المتوحشة، ولرفض الخضوع لابتزازات القوى الصهيونية، سواء المتواجدة في فلسطين، المحتلة، أو المهيمنة على قرارات ومواقف بعض الدول القوية؟ وبمعنى آخر: هل يستطيع أي قطر عربي أن يعتمد على مؤسسات، إما كسيحة يخجل التاريخ منها، وإما بطيئة كالسلحفاة؟

لنذكّر ببعض الخطايا: مباركات لاجتياحات عسكرية أجنبية لبعض الأقطار العربية، عجز عن المساهمة في حل الصراعات الداخلية العربية، وترك الأمر بيد القوى الخارجية، أو المنظمات الدولية، فشل ذريع في تحشيد وتفعيل القدرات الذاتية العربية لمنع أيَّ من الصراعات الطائفية العبثية، ومن تآمر الأنظمة العربية على بعضها بعضاً، ومن الانجرار المفجع نحو مزيد من التطبيع والتنسيق والتحالف مع العدو الصهيوني في شتى المجالات، الأمنية والعسكرية والسياسية. فاذا أضفنا الإخفاقات التاريخية في بناء كتلة اقتصادية متماسكة أو قوة عسكرية مشتركة، أو في بناء مواقف سياسية عربية موحَّدة في الساحات الدولية، سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى القومي، أدركنا حجم الضعف الذي أصاب المؤسسات العربية القائمة.

لا نحتاج إلى تذكيرنا بهذا الإنجاز الصغير المحدود، أو ذاك لهذه الجهة، أو تلك، إذ نحن معنيون بمواجهة أهوال وأخطار كبرى تهدّد الوجود العربي برمته.

أحد أسباب فشل تلك المؤسسات في القيام بمهماتها الوطنية والإقليمية والقومية، هو تردد القائمين عليها، أي الأنظمة العربية، في إجراء التعديلات والإصلاحات الضرورية في أهداف وتنظيمات ووسائل عمل تلك المؤسسات، حتى تستطيع القيام بأدوار فاعلة في الحياة العربية. هناك جهات خارجية وداخلية تريد ألا يزيد وجود تلك المؤسسات عن وجود مظهري رمزي بروتوكولي، حتى ينعم كل قطر عربي بنعمة السيادة الوطنية الكاملة في كل حقل وتجاه كل قضية. إنها قمة الاستقلالية الأنانية التي لا تؤمن بالتعاضد، ولا بأهمية المصير المشترك، ولا بأية تضحية من أجل المصلحة العربية العامة.

لكن، ما لا تدركه الأنظمة العربية أن المؤسسات التي لاتتغير ولا تتطور ولاتقبل الإصلاح والتجديد ستتعرض لأزمات كبيرة في المستقبل، طال الزمن أم قصر. هذا ما يحصل الآن للاتحاد الأوروبي، وهذا ما سيحصل لكل مؤسسات العمل العربي المشترك.

هناك مجموعة من الإصلاحات والتجديدات القانونية والهيكلية، ومجموعة من الأهداف الجديدة، ومجموعة من طرائق العمل الكفؤة الحديثة، إن لم يباشر بمناقشتها الآن وتنفيذها على مراحل معقولة، فإن المؤسسات العربية المشتركة ستنفجر في وجهها الأزمات وستكون قابلة للتفكيك والانهيار. وهذا ما تريده قوى خارجية، دولية وإقليمية، وقوى داخلية ناقصة عقل وإرادة.
إن أمثولة خروج بريطانيا لن تتواجد في الساحة الأوروبية فقط. إنها قد تمتد لتتواجد في أرض العرب، فنحن نعيش عصر المفاجآت التي كنا نعتقد أنها من المحرمات.
ليس من حق الأنظمة العربية أن تعبث بمستقبل مؤسسات تدعي أنها وجدت من أجل مصالح وطموحات الشعوب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"