خطوة على طريق سلام بعيد المنال

02:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

الأنباء عن افتتاح مكتب لحركة طالبان في الدوحة، تشكل تطوراً غير مسبوق في التعاطي مع هذه الحركة التي مازالت تفرض وجودها، بعد أكثر من عشر سنوات على الحملة الأمريكية الأطلسية على هذا البلد . طوال هذه الفترة الدامية سقط آلاف من الأفغانيين ومن القوات متعددة الجنسيات في حرب ظلت مستعرة، وقد عززتها خبرة طالبان بتضاريس بلادها ونفوذها القبلي والديني الذي يجمع بين المهابة والسطوة والتسلط . وحتى وقت قريب فإن نفوذ الحركة لم يستثن العاصمة كابول، رغم الوجود الأمني المكثف فيها .

يربط البعض افتتاح الحركة مكتباً لها في العاصمة القطرية، بمحاولة احتواء الحركة، أو بسعي دولة قطر إلى مد نفوذها حيثما أمكن لها ذلك، كما تجري الإشارة إلى أن الخطوة القطرية منسقة مع واشنطن . ولعل ما تقدم صحيح في جانب كبير منه، غير أن الأهم من ذلك أن أي مسعى لوقف محنة شعب أفغانستان ينبغي أن تلقى الترحيب . . المبدئي على الأقل . فهذا الشعب (نحو 34 مليون نسمة) يعيش حالة حرب منذ ثلاثة وثلاثين عاماً متصلة، تُفاقم حالة العوز وشظف العيش التي يعانيها . وقد ناء تحت وطأة حروب أهلية طاحنة، كما كابد الغزو السوفييتي والأمريكي خلال هذه الفترة، ما جعله بين دول وشعوب العالم نموذجاً لشقاء مرير لا ينقطع .

التطلع نحو السلام ابتداء من مطلع العام الجديد 2012 وضمان انسحاب القوات الأمريكية مع العام ،2014 يستحق أن يكون هدفاً عزيزاً للأفغان، يتم بذل تضحيات معنوية من أجله، بدلاً من الغرق في دوامة حرب أبدية مرة ضد الأجانب المحتلين، ومرة بين مكونات الشعب الواحد .

ترتيبات افتتاح مكتب لطالبان في الخارج، لا بد أن يشتمل على تحضيرات سياسية تسوغ الإقدام على هذه الخطوة، سواء من طرف طالبان نفسها، أو الدولة المضيفة، أو الولايات المتحدة وحكومة قرضاي . فالمكتب لن يكون ذا طابع دبلوماسي، ولا يحمل اعترافاً بتمثيل الحركة لدولتها وشعبها، بل هو أقرب إلى مفوضية سياسية . الأنباء التي رشحت تتحدث عن مفاوضات بدأت وسوف تتواصل لمشاركة طالبان في الحكم ما بعد الانسحاب الأمريكي، مقابل إلقاء السلاح والإفراج عن معتقلي الحركة في سجن غوانتانامو . ليس هناك ما يدعو إلى تكذيب هذه الأخبار في وجهتها التسووية وليس بما يتعلق بتفاصيلها التي ستظل حُكماً خاضعة لتفاوض مديد، وقد تواكبها ضغوط عسكرية من الطرفين ضد الطرف الآخر . نستذكر هنا أن الحركة حين كانت حاكمة لأفغانستان لم تحظ باعتراف يُذكر بها، إذ بقيت الدولة دولة ميليشيات، وافتقرت إلى المؤسسات . للحركة خبرة عسكرية لا توازيها أية خبرة سياسية أو إدارية لتولي الحكم وإدارة دفة بلد، وتعتنق مبادئ شديدة التزمت يطعن بعضها بحقوق الإنسان .

والآن فإن اجتذاب طالبان نحو آفاق سياسية، يشكل تطوراً مهماً في خيارات الحركة ومكسباً أولياً للشعب الأفغاني، يستحق البناء عليه . وبصرف النظر عن مدى استفادة الآخرين أو تضرر بعضهم من هذه الخطوة، فمصلحة الطرف المعني هي مناط السياسة والعمل الوطني، وأن يتم التحضير قبل أكثر من عامين على الانسحاب الأمريكي الموعود، لإعادة بناء سياسي للدولة بمشاركة أطراف أساسية سياسية واجتماعية في مقدمها حركة طالبان، ففي ذلك بُعد نظر، والأفضل أن يتم التسريع بذلك، وتقصير المهلة المتبقية على انسحاب القوات الأجنبية رغم الاتفاقات المبرمة بين واشنطن وحكومة قرضاي .

ليس خافياً أن هذا التطور يتوازى مع تحركات إقليمية أخرى، ينشط بها على الخصوص الجار الإيراني لأفغانستان الذي يقيم علاقات متشعبة مع حكومة كابول، ومع حركة طالبان جنباً إلى جنب، وهناك حالة طالبان باكستان التي تشكل امتداداً للحركة الأم وتضغط على الحكومة الباكستانية، وعلى إمدادات الجيش الأمريكي عبر الأراضي الباكستانية، فالصراع على هذا البلد ليس حديث العهد، بل إنه يلازم تاريخ أفغانستان عبر القرون، ولم يتوقف بعد الاجتياح الأمريكي الأخير وإزاحة طالبان عن السلطة، ثم مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في الأراضي الباكستانية . والآن فإنه يسترعي الانتباه أن حكومة قرضاي أبدت امتعاضها من الاتصالات الجارية بين واشنطن وطالبان، التي تتم بعيداً عن أنظار ومشاركة حكومة كابول التي سبق لها أن شكلت مجلساً للسلم مهمته الأساسية التفاوض مع طالبان، من دون أن يحقق هذا المجلس الهدف من إنشائه مع رفض الحركة التعامل معه . وهو ما ردت عليه أوساط أمريكية بأن الأمر لم يصل بعد حدّ إجراء مفاوضات بين الجانبين، وأنه لدى الوصول إلى تلك المرحلة ستكون الحكومة هي الطرف الأساسي في التفاوض مع الحركة .

ومغزى ذلك أن الغرض من افتتاح مكتب للحركة في الدوحة، هو تنظيم مفاوضات بين واشنطن والحركة في مرحلة أولى، ثم بين طالبان وحكومة قرضاي، وليس معلوماً إن كان الدور القطري سيقتصر على تقديم التسهيلات اللوجستية وحماية بعثة طالبان، وإن كانت تجارب سابقة تدل على أن الدور القطري في حل النزاعات، لن يقتصر على تقديم خدمات إدارية، فمن مصلحة قطر أن يكون لها دور في إحلال السلام الأفغاني رغم وعورة الطريق نحو هذا الهدف الذي لا يقل وعورة عن تضاريس أفغانستان، مع الحاجة إلى ضمان قبول إيراني وباكستاني لهذه المساعي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"