دعوة مفاجئة تثير بلبلة

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
فاجأ الرئيس محمود عباس الجمهور الفلسطيني بدعوة المجلس الوطني ( برلمان المنفى) بالانعقاد. وكالعادة فإن عباس لا يبرر قراراته، وهذا القرار لم يشذ عن القاعدة. باستثناء الحديث العام عن تفعيل دور اللجنة التنفيذية.

لم ينعقد المجلس الوطني منذ نحو عشرين عاماً، فالسلطة الفلسطينية الناشئة بموجب اتفاق أوسلو انشغلت بترتيب أوضاع الضفة الغربية وغزة والمفاوضات مع الجانب الصهيوني، وتثبيت أركان السلطة. وبدلاً من انعقاد المجلس الوطني وهو البرلمان الجامع للداخل والشتات، فقد جرت انتخابات في الداخل للمجلس التشريعي. وهو ما أثار نقمة في أوساط اللاجئين خارج الوطن الذين كفت القيادة عن الانشغال بأوضاعهم، ومع هذا الانشغال تضاءلت مكانة منظمة التحرير لمصلحة السلطة الوطنية.

على أنه بقي لمنظمة التحرير هيكل قيادي يمثلها وهو اللجنة التنفيذية. وتعتبر هذه اللجنة أعلى هيئة سياسية قيادية وقد «ورث» الرئيس عباس رئاسة اللجنة من الرئيس الراحل ياسر عرفات.

مؤخراً أعلن عباس وتسعة أعضاء في اللجنة التنفيذية استقالاتهم، والهدف من ذلك هو خلق حالة فراغ تُملي عقد جلسة للمجلس الوطني كي يختار من جانبه أعضاء اللجنة.
معلوم أن هناك أسباباً لوجستية تمنع انعقاد المجلس في الأراضي الفلسطينية، فالعديد من الأعضاء لا يسمح الاحتلال بدخولهم إلى الأراضي المحتلة. تقدر أوساط فلسطينية عددهم ب 200 عضو من جملة 740 عضواً (عدد صيني..!)، ومع ذلك فإن النية تتجه كما يبدو لعقد المجلس «بمن حضر» في دورة استثنائية.
القيادي الفتحاوي سليم الزعنون الرئيس «التاريخي» للمجلس الوطني أوضح أن دورة استثنائية لا تسمح سوى بملء الشواغر، أي اختيار أعضاء بدلاء للمستقيلين من أعضاء اللجنة التنفيذية وليس اختيار لجنة تنفيذية كاملة. غير أن عباس يرغب كما تجمع مصادر فلسطينية على إقصاء من لم يستقيلوا، والحديث يدور عن ياسر عبدربه، وبدرجة أقل عن تيسير خالد ممثل الجبهة الديمقراطية.
مراقبون في الداخل استغربوا هذه الدعوة الفجائية التي حدّد لها عباس مهلة شهر واحد. علماً أنه في ظروف عادية كان التحضير لانعقاد المجلس يستغرق بضعة أشهر. ودارت وتدور تكهنات بأن الرجل يقوم بالتحضير لخلافته، ففي حال عدم ترشحه لعضوية اللجنة التنفيذية وبالتالي رئاستها، فإنه يفتح الباب أمام رئيس جديد محتمل. وبين هذه التقديرات تدور أحاديث حول سعيه لإبعاد أنصار القيادي السابق في فتح محمد دحلان عن دائرة التأثير بما في ذلك داخل المجلس الوطني.
وكما هو واضح فإن الأمور الداخلية هي الطاغية على أجواء الدعوة لعقد المجلس. وليس مستبعداً توجيه دعوة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي للمشاركة في الاجتماع. غير أن دعوة كهذه لن تُلبى بغير تحضيرات وتفاهمات سابقة، وهو الأمر الغائب. وقد سارعت حماس من جهتها إلى رفض فكرة انعقاد المجلس، وشككت في نوايا الدعوة لعقده. ومغزى ذلك أن جلسة المجلس إذا عقدت لن تسفر عن الكثير، سوى تسليط الضوء مجدداً على الانقسامات الفلسطينية مع محاولة تشكيل لجنة تنفيذية أكثر طواعية واقتراباً من الرئاسة.
من المؤسف أن تكون مناسبة كهذه يلتئم فيها شمل ممثلي شعب فلسطين، يكتنف الغموض أهدافها بما يشيع أجواء من البلبلة، وكأن وضع الفلسطينيين المأساوي تحت الاحتلال، وفي مخيمات سوريا، ينقصه ذلك. هذا بدل أن تكون هذه المناسبة فرصة لاستنهاض الطاقات والتحشيد الوطني وتعزيز التشاركية وإثارة القضايا الحيوية والجوهرية.
إنه لأمر يثير العجب ألا تقترن هذه الدعوة لعقد البرلمان الجامع، بأي حديث عن التحديات المتعاظمة التي يفرضها الاحتلال وآخرها المحاولات الحثيثة لتهويد المسجد الأقصى من دون أن يسعى أحد من القادة الفلسطينيين للصلاة فيه، أو محاولة زيارته وهو الذي يبعد عشرين كيلومتراً فقط عن رام الله مقر السلطة. لقد غاب الحديث السياسي الجوهري حول تطورات قضية فلسطين في الحيثيات العامة التي يتم سوقها للدعوة لانعقاد المجلس. ومن الواضح أن القيادة تنشط حين يتعلق الأمر بأمور داخلية تمس المستويات العليا من السلطة وتراتبيتها كتشكيل حكومة أو إجراء تعديل وزاري أو إقصاء فلان وتصعيد فلان، لكنها تعتصم بالصبر والانتظار المديد حين يتعلق الأمر بمجابهة مخططات الاحتلال. تماماً كما تنشط الزيارات إلى نيوزلندا وكوستاريكا وغينيا بيساو ما إن تصل دعوات منهما، لكن مدن الخليل ونابلس وبيت لحم وجنين والقدس وأريحا وطولكرم وغيرها لا تستحق عناء زيارتها أبداً.. فضلاً عن قطاع غزة.
في هذه الأثناء جرى الإعلان رسمياً من طرف المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار «بكدار» عن انتهاء التحضيرات والمخططات لتشييد قصر ضيوف رئاسي في ضاحية سردا قرب رام الله بكلفة تبلغ 13 مليون دولار تمولها وزارة المالية الفلسطينية. هذه هي أولويات الرئاسة خلال هذه المرحلة، وفي وقت تشكو فيه الميزانية من عجز فادح ومتراكم وشبه دائم. فكل ما هو شكلي يستحق إيلاء اهتمام به، أما القضايا الأساسية المتعلقة بمجابهة الاحتلال ورفع المعاناة والتنكيل بحق الرازحين تحت الاحتلال وتعزيز الوحدة الوطنية فهذه قضايا تتطلب الالتزام بالهدوء وعدم التسرع.
الدعوة لعقد البرلمان الجامع لا تخرج عن هذه الأجواء التي يتم فيها تأخير ما يستحق التقديم، وتقديم ما يحتمل التأخير.


محمود الريماوي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"