رأسمالية المزاحمة

02:09 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعظيم محمود حنفي

عندما قررت هيئة النقل والمواصلات في العاصمة البريطانية لندن عدم تجديد، وسحب رخصة العمل لشركة النقل الأمريكية الشهيرة «أوبر» التي تعتمد على تطبيق إلكتروني على الهواتف المحمولة، بحجة إخلال الشركة في أكثر من مرة بمعايير الأمن والسلامة للركاب، وسوء سلوك بعض السائقين، ازعج هذا القرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي قالت إنه «يتجاوز المعقول، ويعرض آلاف الوظائف»، وهذا صحيح لأنه سيؤثر في أعمال أكثر من 40 ألف سائق و3.5 مليون مستفيد من الخدمة.
وتجري تسوية الأمر بعد خضوع الشركة لمتطلبات هيئة النقل والمواصلات في لندن. وليست شركة «أوبر» إلا حالة من عشرات الحالات لمنظمات يتمثل هدفها الأساسي في توفير العرض المطلوب لتلبية طلب المستهلكين، وهي منظمات يرى عدد من محللي الاقتصاد أنها يمكن أن تقود اقتصاد اليوم. ويستكشفون كيف تملي هذه التطورات نهاية العمالة التي نعرفها، وما الذي يمكن أن يفعله المجتمع لحماية تلك العمالة مما يصفونه أسوأ جوانب الداروينية الرأسمالي القائمة على المزاحمة.
إن اقتصادات التقاسم لها خصائص أساسية، ويقوم هذا الاقتصاد إلى حد كبير على أساس السوق، ويستفيد من رأس المال غير المستخدم بالقدر الكافي، ويعتمد على الشبكات القائمة على المزاحمة، ولا يطمس الخطوط بين ما هو شخصي، وما هو مهني فحسب، بل يطمس أيضاً الخطوط بين العمالة والعمل العارض. ويرى بعض المحللين أن ما ولد هذه الرأسمالية القائمة على المزاحمة هو الراحل ستيف جوبز، المؤسس المشارك لشركة آبل وأجهزة آي بود. فقد كان جهاز آي بود هو أول منتج ينجح في اختراق السوق على نطاق واسع ويتم تطويره للمستهلكين، وليس للشركات أو، الحكومة. ومنذ ذلك الحين ركزت أهم الابتكارات على المستهلكين، مثل آيفون، وآي باد، وفيسبوك.
والثقة أساسية في هذا الاقتصاد، حيث يسمح مستخدمو هذا الاقتصاد للغرباء بقيادة سياراتهم، والإقامة في منازلهم من خلال موقع «إير.بي.ان.بي» (Airbnb) وهم يقضون إجازاتهم على أساس مجرد وعد بالدفع. غير أن الآلاف من الناس يفعلون هذه الأشياء كل يوم لأن الاقتصاد الرقمي أنشأ شبكة يمكن أن نثق بها. ونتجت عن هذا الاقتصاد تداعيات إيجابية عن طريق الاستفادة من الأصول غير المستخدمة بالقدر الكافي، وزيادة الفرص الاقتصادية. ومع ذلك فقد ولد أيضاً تطورات خارجية سلبية. فقد لا يروق لجارك مجيء وذهاب «ضيوفك» عبر «إير.بي.ان.بي»، وقد ساعدت القواعد التنظيمية الضعيفة على نمو اقتصاد التقاسم. وعلى سبيل المثال قد تعاني «آير.بي.ان.بي» من أجل البقاء إذا كان على المضيفين العارضين الالتزام بنفس شروط مكافحة الحريق والسلامة، والقواعد التنظيمية الأخرى التي تنظم عمل الفنادق التقليدية. إن رأسمالية اليوم القائمة على المزاحمة تنتصر على الثورة الصناعية للماضي؛ ففي عالم آدم سميث، أدت اليد الخفية للسوق إلى تقابل العرض والطلب. أما في اقتصاد رأسمالية المزاحمة فإن اليد الخفية لا تزال تقوم بعملها، والاختلاف هو أنها تحصل الآن على مساعدة من التمويل من نظير إلى نظير، ومنصات غير شخصية وتكنولوجيا «دفتر المعاملات» والتطبيقات الأخرى الموجودة في كل مكان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"